عندما انتقلنا من السلمان الى رفحاء 2
عندما انتقلنا من السلمان الى رفحاء 2
سلام عليكم طبتم جميعا اخواتي واخواني اواصل حديثي السابق واتمنى ان تجدوا فيه ما يستحقّ عناء مطالعتكم
بعد ان قمعت قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص واجهزتهما الأمنية والأستخباراتية الأنتفاضة الشعبانية , اضطررت الى التخفّي والأختباء لأسبوعين عند مجاميع من البدو قادني اليهم احد اصدقاء جدي في محيط مدينة كربلاء قرب حدودها مع الرمادي وتحديدا في المناطق الذي كانت فيما مضى تقع ضمن نفوذ قبيلة عنزة ومضاربها التي امتدت حتى منتصف خمسينات القرن الماضي لتشمل منخفض الرزازة وشفاثا والنخيب صعودا حتى عرعر ,
وهناك وجدت مساعدة كبيرة منهم احتراما لذكرى جدي ووالدي الذي ولد في ( هور ابي دبس ) قبل ان تبتاعه الحكومة الملكية السابقة من شيخ مشايخ عنزة محروت بن هذال او والده وتُهجّر ما بقي من الناس قبل ان تربطه بممر مائي اسمه ( السنّ الصخري ) مع بحيرة الحبانية
بعد اسبوعين حدثّني احد اقربائي بأن المكان الآمن الذي يجب ان انتقل اليه هو بيوتات آل جميل في البادية التي تعقب بحر النجف وبالفعل انتقلت الى ذلك المكان الذي اكتشفت انه لم يكن آمنا تماما بعد ايام قليلة على اقامتي فيه فأتفقوا معي على نقلي الى مخفر المعانية السعودي وهذا ماكان بعد ان رافقنا احد الأدلاّء من البدو واذكر اننا مررنا بمنطقة كان اسمها الصحن .. وعند وصولنا الى المعانية اراني بعض الكتل الأسمنتية وخلفها على بعد حوالي مئتي متر يقع المخفر الحدودي , ثم قال اعبرها وستكون بأمان ان شاء الله ,, وبالفعل عبرت الحدود واصبحت في ارض المملكة
مكثت في المخفر مع مجموعة من العوائل العراقية النازحة لأسبوع قبل ان يتمّ نقلنا في قافلة عسكرية الى مخيم كبير جدا في رفحاء , وواجهتنا بعض المصاعب في دخوله اذ كان المعسكر قد اقفل وتوقّف عن استقبال اللاجئين , بيد ان موقف امير رفحاء كان مشرفا جدا في التدخل بشكل شخصي لتسهيل دخولنا اذ ان بعض النساء كانت صحتهنّ قد ساءت بشكل كبير واحداهنّ كانت على وشك الوضع , والعودة الى العراق تعني بلا ادنى ريب الموت المحتوم ,
وقبل ان يحلّ ظلام احد ايام الأواخر العشر من رمضان دخلنا المخيم
وجدت الوفا كثيرة من العراقيين ممن سبقوني في الوصول وكان بعضهم من اصدقائي الذين تقطّعت سبل الأتصال بهم منذ سنوات , وجلسنا طويلا نتحدّث عن عراقنا الذي لم يكد يخرج من محنة حتى يقع في اخرى اشدّ وطأة منها وانكى ,
وعرفت منهم ان اغلب الفارين من جحيم العراق وصلوا رفحاء واجتمعوا فيها بعد ان كانوا قد فرّوا في بداية امرهم الى مناطق مختلفة وعانوا ويلات كثيرة ومات العديدون منهم , فأول المعسكرات التي اجتمعوا فيها كان في سفوان حيث احتموا بقوات الحلفاء التي لم تكن قد انسحبت من ذلك المكان بعد , وتم نقلهم من قبل القوات الأمريكية في طائرات شحن عمودية الى مخيم واسع في منطقة السلمان داخل الحدود العراقية المتاخمة لرفحاء
وهناك اعداد اخرى وصلت الى السلمان بعد ان قطعت شوطا كبيرا من الطريق راجلة , والبعض الآخر بسيارات نقل من مدن النجف والديوانية والحلة والسماوة وكربلاء وبغداد , اما من تم نقلهم من سفوان فهم من مناطق البصرة والناصرية وميسان وواسط ( الكوت )
وبعد مدة من اقامتهم في ظلّ حماية سعودية وبعض من الحلفاء تمّ نقلهم الى رفحاء ليكونوا في امان اكبر
وهناك مجموعة اخرى كانوا يقطنون مكانا آخر في العراء , وكانت محنتهم شديدة للغاية , اذ كانوا بعيدين عن كل هذه التجمعات ولم تصلهم امدادات لأقامة سكنهم او لسدّ رمقم من الغذاء , لذا اضطرّوا لصفّ الحجارة فوق بعضها والأحتماء بها من برد الشتاء الصحراوي القارس واطلقوا على هذا المكان اسم المعسكر الحجري ,
واخيرا تمّ نقلهم الى معسكر السلمان ليكونوا نواته الأولى
وهكذا اجتمع شمل الجميع في مخيم رفحاء الذي اعدته المملكة لأستقبال العراقيين بعد ان بدّدتهم المحن والحروب والطغيان وبحثهم عن الحرية والحياة التي تحفظ لهم انسانيتهم وكرامتهم
اخواتي واخواني سأتحدّث في المرة القادمة عن المشاكل التي رافقت وجود العراقيين في السلمان ورفحاء واسبابها وطريقة تعامل الجيش السعودي والسلطات السعودية معها
واودّ الأشارة الى انني اعرف ان رفحاء تتبع اداريا المنطقة الشمالية ومقرّها في عرعر , ولا اعرف تمام المعرفة ان كان هناك احد الأمراء هو الذي يحكم رفحاء ام ان مسؤولا ما يحكم بأسمه , ولكننا في المخيم كنا نطلق كلمة الأمير على الرجل المنصف الذي يبذل جهودا مخلصة لحسم الأمور العالقة كما حدث في السادس عشر من شهر آب عام 1992 والأحداث الدموية التي رافقته
دمتم جميعا لأخوّتي الخالصة في الله
صلاح