تجربتي في مخيم رفحاء .. الحمام الزاجل والكعيبري والبريد 5
السلام عليكم جميعا
سأحاول اليوم ان افعل كما فعلت في القسم الثالث من الموضوع .. اي اقوم بكتابة مشاهداتي على هيئة فقرات صغيرة مرقّمة
1
الكعيبرية
مفردة لم اسمع بها قبل المخيم
وتعني الجماعة الراجلة التي تتسلّل خارج المخيّم بعد ان تتمكّن من اجتياز الأسلاك الشائكة والأسوار والقوات التي تنتشر حول المخيم وتقصد العراق عبر الصحراء
وهم في الغالب من سكان مدينة السماوة وضواحيها التي تشرف على البادية
واصل المفردة مأخوذة من الكعب للدلالة على المشي دون سواه من طرق التنقل والأرتحال
وهؤلاء يتردّدون على العراق بين الفينة والأخرى ليحملوا معهم الرسائل وبعض الأمتعة الخفيفة والمبالغ المالية ويعودوا بالطيور النادرة والكتب الثمينة لمن يوصيهم ورسائل واحيانا بذور نباتات مختلفة
وانقطعت ظاهرة الكعيبرية بعد انتقالنا من معسكر رفحاء القديم الى المعسكر الجديد , اذ ان الترتيبات الأمنية كانت كبيرة جدا كما ان قسما كبيرا منهم كان قد سافر من خلال برنامج اعادة التوطين الذي تبناه مكتب الأمم المتحدة في رفحاء
2
امتهنت فئة من اللاجئين مهنة وامرا عجبا ..
فلقد حصلوا على حمام زاجل من خلال الكعيبرية وبعض من اصحاب الوانيتات الذين يتردّدون على المعسكر يوميا ,
وبدأوا يتسلّلون من المعسكر مع الكعيبرية , ويقومون بأطلاق الطيور لتتعرّف على المكان , وبعد مرحلة اخرى يطلقونها ثانية وثالثة وهكذا حتى يصلوا العراق بمدنه التي تشرف على البادية كالسماوة والبصرة والنجف والناصرية , وعند عودتهم يكون الحمام الزاجل قد تعرّف الى المكان ومراحله بدقة كبيرة
عندها يقومون بتقاضي 100 ريال اجرا عن كلّ رسالة يوصلونها الى العراق , فلقد كانت خطوط الهاتف معطلة والسفر غير ممكن , وهي الوسيلة الوحيدة ليتواصل اللاجئون مع ذويهم , اذ يقوم المرسل بكتابة عنوان عائلته ومن ثمّ تنقل عائلة صاحب الحمام الرسالة اليهم ويتلقّى ردّا فيقومون بأرسال الرد بذات الطريقة
3
البريد وما ادراك مالبريد
كانت الشهور الأولى شهور عزلة كاملة , حتى اذا وصلت هيئة اغاثة اللاجئين انفرجت الأوضاع والأمور
كانت هيئة الأغاثة هي النافذة الوحيدة التي نطلّ من خلالها على العالم , ولطالما تعرّفنا على افرادها واصبحنا اصدقاء واخوة في الله , حتى بدأنا نتبادل الزيارات ونتعرّف على العالم ومايجري فيه من خلال عيونهم ونفوسهم الطيبة
كانوا فتية ليس بأمكان احد ممن مرّ بهم وتعرّف عليهم ان ينساهم
مازلت ومازال اصدقائي يتذكرون اسماءهم وافعالهم واحيانا نستذكر المواقف النبيلة التي قاموا بها رغم صعوبتها ولايطلبون ازاء كل ذلك سوى وجه الله
كان البريد يشبه على نحو كبير اكتشاف قارة جديدة
فبدأت تنهال علينا الكتب والأصدارات ورسائل من اصدقاء ضننا لوهلة اننا سوف لن نلتقي بهم ابد الدهر
4
عاش في المخيم رجل يصنع الأعواد , وكان احد انجب تلامذة محمد فاضل صانع الأعواد المعروف عالميا كوريث للمدرسة البغداية العريقة ,
في البدء كان الرجل يصنع اعواده من الخشب المستعمل في اغراض البناء والنجارة , لذا كان يضطرّ الى معالجتها بطرق بدائية تستنزف الكثير من وقته وطاقته لتكون صالحة ,
وبعد شهور طويلة قادته حرفيته العالية واخلاصه في عمله الى ان يعرف الكثيرون بوجوده في رفحاء فأخذوا يبعثون اليه بالآت الحفر والغراء النباتي والخشب الجيد من الرياض والكويت ودبي واماكن اخر ,
ولم ينس ان يمهر الأعواد بأسم محمد فاضل ليؤكد بذلك ان طريقة الصنع بمراحلها المختلفة هي من ابتكار استاذه اما دوره فلا يتعدّى التنفيذ
اخواني .. سأتحدث في المرة المقبلة عن عمل الأمم المتحدة في المخيم ودورها خصوصا ازاء بعض الأحداث الدامية التي شهدناها
اخوكم صلاح
