مكتب الأمم المتحدة في رفحاء 6
السلام عليكم جميعا اخواني في المنتدى
كان المخيم الجديد اوسع بمرات من مخيم السلمان , ولقد تمّ فيه تجاوز الكثير من الهفوات التي رافقت اقامته وتسيير اموره وشؤونه , وتمّ تسجيل جميع اسماء اللاجئين واخراج هويات تتصدّرها صورة شخصية والأسم كاملا ومكان اقامته في المخيم وصفته ,
ثمّ تمّ تخصيص مبالغ فصلية قدرها ثلاثمئة ريال للفرد بالغا كان ام رضيعا , وكانت تستخدم لشراء بعض الضروريات
ثمّ بدأت السلطات المسؤولة عن المخيم تمنح رخصا لبعض التجار السعوديين لبيع تجارتهم على اللاجئين ,
كانت حركة البيع والشراء تسير بوتيرة متصاعدة وتشمل مواد كثيرة كالملابس وادوات المطبخ ومواقد الغاز والمدافيء النفطية والمواد الغذائية
وتمّ افتتاح مركز للعلاج الطبي يديره مجموعة من الأطباء العراقيين اللاجئين في مخيمنا وتم تجهيزه ليكون قادرا على استقبال المرضى وتوفير الأسعافات اللازمة , اما الحالات الصعبة فكانت تُحال الى مستشفى مدينة رفحاء
ثمّ وصل بعد ذلك اوّل وفد اممي وافتتح له مكتبا خارج اسوار المخيم
وبعد وصوله بشهور قليلة بدأ برنامج اعادة التوطين خارج اراضي المملكة لأن الرجوع الى العراق كان غير ممكن ويعرّض ارواح اللاجئين الى الخطر وبقاءهم رهن المخيمات ماعاد بالأمكان تحديد سقف زمنيّ له , كما انّ مفاوضات اجريت بشأن توطين اللاجئين داخل المدن السعودية فشلت في ايجاد صيغ مناسبة , فهل سنكون من ضمن العمالة كملايين الوافدين الى المملكة , وهل ستنزع صفة اللجوء عنا لتسهيل اندماجنا داخل المجتمع الجديد ؟
هذه الأسئلة واسئلة اخرى كثيرة لم يتمّ الأتفاق بشأنها لذا كان برنامج توطيننا في بلدان اللجوء هو الحل الذي بدا مناسبا لوفد الأمم المتحدة واولياء الأمر في المملكة
ثمّ وصل وفد ايرانيّ كان يعمل في اطار مايسمى ( لمّ الشمل ) خارج برنامج الأمم المتحدة وبدأ بمقابلة اللاجئين ممن لديهم اقرباء في ايران واحيانا ممن يملكون علاقات ببعض المتنفذين هناك , وبعد شهور على هذه المقابلات بدأ مجموعة من اصدقائنا بمغادرة المخيم ,,
في الوهلة الأولى ظننا اننا سنلازم هذا المكان ابد الدهر , وصرنا نوطّن انفسنا لهذا الأمر , فأخذنا نحفر الأرض ونعدّ قوالب خشبية لنصنع الطابوق ثم نتركه لأيام حتى يجفّ ومن ثمّ نبدأ بتشييد بيوت تقينا العواصف الرملية والحرّ والقرّ ومن ثمّ نقوم بتسقيفه بقبع الخيمة واما الحائط الخارجي فنسوّره بالرواق
وهكذا كان خروج اول فوج من اخوتنا الى ايران ايذانا بشتات جديد لا نعلم كيف سينتهي بنا , وفي ايّ ارض سيلقينا ,
احسسنا بفقد كبير , اذ انّ العلاقة التي تنشأ جراء هكذا ظرف تكون خالصة ومخلصة ومنزّهة عن صغائر الأمور ,
وبعد زمن بدأت الأمم المتحدة من خلال مكتبها بعمل اضابير لكلّ اللاجئين واستعانت بمترجمين عراقيين من المخيم ثمّ بدأت تمنح وفود دول اللجوء هذه الأضابير من اجل تحديد الحالات التي ستقوم بأعادة توطينها
فوصلت وفود من فنلندا والسويد وامريكا والدنمارك وهولندا واستراليا والنرويج ونيوزلندا وبدأوا بمقابلة اللاجئين , واحيانا يمرّ وقت طويل قبل ان يأتي اي وفد , وفي مرات اخرى تُرفض اعداد كبيرة من الناس من قبل الوفود قيفقدوا فرصة الخروج والألتحاق بمن سبقهم
.. لا اعرف كيف اصف المشاعر التي كانت تتنازعنا عند خروج اصدقائنا من المخيم ,
كنا نبكي بصمت واحيانا بصخب اذا وجد احدنا ان الفرصة سانحة ليصخب في نحيبه , ومرات يصاب بعضنا بالأكتئاب فينزوي بعيدا عن الجميع لأيام طويلة ,
كان الخروج مرادفا للفقد , والفقد صار مضاعفا بعد ان فقدنا عراقنا لذا كنا نحتاج الى بعضنا اكثر من اي وقت مضى
.. لقد صرخ ذات يوم احد المجانين في المخيم واسمه عبد الحليم ( طبّوا على بعض حتى توقعون على بعض ) اي تماسكوا حدّ الأنهيار , وصرنا نردّد مقولة عبد الحليم كلما نقصنا عزيزا .....
اخواني .. سأكمل هذا الموضوع في الغد ان شاء الله لأهميته البالغة لمن يريد ان يتعرّف على دور الأمم المتحدة من خلال برنامجها الضخم في اعادة التوطين
اخوكم صلاح
