-
وقال حمودة في ضوء وثائق عديدة متوفرة لديه: توجد عشرات الشركات غير الربحية تتلقى تمويلاً أجنبياً غالباً ، وأضاف: إن بعض مؤسسات المجتمع المدني تتلقى دعماً مالياً يصل إلى 50 مليون دولار أمريكي . ومن الجدير ذكره أن الدَّعم إنما يخصَّص للجمعيات التي ليس لها توجه إسلامي أما الجمعيات الأهلية ذات التوجه الإسلامي فليس لها نصيب فيه. ولم يغب هذا الارتباط بين مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم عن الليبراليين العرب ، حيث أكده الكاتب نايف العبود في ''الحوار المتمدن'' بقوله: لقد تجاوزت منظمات المجتمع المدني حدودها الجغرافية الوطنية لتندمج بالمنظمات الأخرى خارج الحدود لتؤلف بذلك مجتمعاً مدنياً كوكبياً، تميز بمستوى عالٍ من التنسيق و توحيد المواقف معتمدةً على شبكات الانترنت ، و كان لذلك أثره في تجميع الصفوف .
ولنا أن نتساءل : تجميع الصفوف لماذا ، وضد من ، ولصالح من ؟. المعارضة في الدولة المدنية وأما سؤالك الخامس ، والذي تنكر فيه أن يكون في الدولة المدنية معارضة تشكل قوة ضغط وتهديد للقيادة . فقل لي بربك ، هل سمعتَ بواحد من فلاسفة الدولة المدنية ومنظريها يشدد على وجوب السمع والطاعة وينكر المعارضة وينهى عنها ؟.
ألم تقرأ كلام الليبرالي شاهر أحمد نصر في الحوار المتمدن الذي جعل المعارضة عنواناً للوطن فقال في معرض اعتراضه على بعض الأنظمة العربية ما نصه :'' وإضعاف المعارضة التي هي عنوان الوطن ''. وهل سمعتَ بمعارضة قامت لتأييد النظام ولا تشكل قوة ضغط عليه ، وإنما تنافح عنه وتعوَذه بالمعوذات والرقى الشرعية صباح مساء خوف العين والحسد ؟. بل أنت قل لي من أين تصورت هذا لأنك لن تجد من جاء به إلا إذا أضفت هذا إلى مفهومك الفريد في الدولة المدنية وموافقتها لجوهر الإسلام ؟.
وأما ما ذكرته أخي قينان أني لا أرى دولة دينية وأتطلع إلى وجودها وفقاً لقولك :''ولأنه لا يراها في واقع المملكة التي هي في الواقع دولة مدنية شرعها الإسلام لا دولة دينية يحكمها رجال الدين، أقول لأنه لا يراها فإنه يتطلع إلى وجودها ، ولذلك بدأ بالترويج لمسمى ''الدولة الدينية'' مع تطبيقه على المملكة واتخاذها أنموذجاً له. وأنا حين أقول أرجو أن يكون بريئا فلأنني لا أظن الدكتور لا يعرف ما هي الدولة الدينية ''. فاعلم أخي قينان أن العقلاء يحكمون على المتكلم بإقراره لا بدعوى غيره فقولك عن الدولة الدينية أنني أتطلع إليها وأروَج لها وأَجعلُ من المملكة أنموذجاً لها ، فجوابه أنه لا حاجة إلى أن أتطلع إلى وجودها ، فهي قائمة بحمد الله وستبقى قوية ، وإن شاء الله سيعجز العلمانيون عن تطويعها وشعبها وتحريف نظامها ودستورها ، وما هذا العراك معك إلا لتكبير الحرف وتوضيح الصورة من أجل أن أبرهن لك بالمادة الأولى من نظام الحكم أن السعودية دولة دينية ، ولكن ليست بمفهومك الفريد ـ وإن سرني تراجعك في مقالك الأخير والتسليم بالدستور والوحدة والقيادة ـ الذي تريد به أن تقيس حكومات إيران وطالبان وحماس على المملكة ، والحكومات التي تعني ، إنما جاءت بعد الحكم السعودي بعقود طويلة ، ولست أدري كيف يصح قياس المستقدم على المستأخِر والأصل قياس المستأخِر على المستقدم إلا إذا قلنا أن ابن تيمية ينقل عن الحوثي في اليمن أو متأثر به !!.
ولا يفوتني هنا أن أنبهك إلى خلط وقعتَ فيه وهو اعتبارك حماس دولة دينية وأنت صحفي يعرف الفرق بين الحكومة والدولة ، فحماس حكومة وليست دولة ، وهناك فرق كبير بين الدولة والحكومة يعرفه الصحفيون والوعاظ والعوام. ولا أدري كيف جف مداد قلمك عن تمثيل الدولة الدينية بإسرائيل ، التي يصنفها الدكتور عبد الوهاب المسيري بأنها دولة دينية متطرفة ـ مع أنه لم ولا يرأسها أحبار يهود ـ في سياق كلامه عن تناقض إسرائيل بين ما هو علماني وما هو ديني فقال بالحرف الواحد : '' عندما نقول إن إسرائيل دولة دينية فهي دينية متطرفة أيضاً !! ، بل إن قوانين إسرائيل نفسها لا تجد حرجاً في وصف إسرائيل بالدينية ''.
ويقول الكاتب محمد خليفة في مقال بعنوان '' درس في مقاطعة إسرائيل '' نشرته صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 23/10/2005 :'' ولا يجرؤ أحد من حكّام إسرائيل أن يقول: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، لاعتراف الجميع بأن إسرائيل دولة دينية عنصرية '' .أما كان الأولى بك من باب الإنصاف أن تعرج على إسرائيل فتصفها بأنها دينية كهنوتية، أليس أول رئيس لها وأول رئيس وزراء كانا يرأسان منظمتين يهوديتين وهما ديفيد بنغوريون ( أول رئيس وزراء ) وحاييم فايتسمان ( أول رئيس للدولة) ؟.
ثم ، هل تليق الشماتة بإخوانك في فلسطين وهم في حصار العدو وعجز الصاحب ؟!، أعيذك بالله أن يكون هذا هو كل ما عندك للمسلمين في فلسطين. وهلا وسعك ما وسع دولتنا السعودية أيدها الله التي لم تألُ جهداً في دعم حماس المنتخبة بإرادة الشعب ؟.
عموماً الدولة الدينية ليست سبة أو عاراً ينبغي الحذر والتحذير منه ، إلا على مفهوم الغرب في نشأة الكلمة المدنية للتخلص من الثيوقراطية وحكم رجال الكنيسة أو الحكم الإلهي أياً كان يهودياً أو نصرانياً. وإذا رفضت أن تعترف بأن المملكة دولة دينية لزمك القول بأنها دولة لا دينية أو دولة إسلامية غير دينية أو دولة إسلامية علمانية ، وليس هناك منزلة بين منزلتين . إلا على التفصيل الليبرالي والعلماني الذي يتدرج في فصل الدين عن الدولة وخطواته معروفة لديك .
-
أزمة الخليج والمزايدة
وأما الحديث عن أزمة الخليج وما كان من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله من جسارة وحكمة ، فلا تُزايد عليَّ به لأني سبقتك إلى القواعد الجوية في أنحاء المملكة ، ولا أدري آنذاك أين كنتَ أنت ! ، وقضيتُ أسابيع إبان الحرب في القواعد الجوية وغيرها ، وكانت أياماً لا تنسى رأيت فيها من بسالة الشباب السعودي وتسابقه نحو الموت دفاعاً عن دولة إسلامية دينية وليست دولة مدنية ، وما كان من بطولاتهم وما أكرمهم الله به الكثير الكثير ، فضلاً عما أكرمني الله به من الإسهام إعلامياً في تلك الأزمة ـ التي كانت سبباً في أول لقاء جمعني بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله مما لا يسع المقام لذكره ـ ولكن ما دخل هذه في الدولة المدنية ؟! ...
هنا بدأت تخرج عن موضوع النقاش والحوار إلى مسائل وأمور لن تنجح يا أخي قينان بإيهام القارئ أنني أحد دعاتها أو القائلين بها ، فلا تتعب نفسك في مثل هذه المسائل وقد سبقناك إلى موافقة قيادتنا وعلمائنا ، ولكن بعبارة أصدق وبمشاركة أكثر شجاعة ولم نكن انتهازيين لا يحلو لنا فتح الملفات إلا في الأزمات ، وأعذرك في الخروج عن الموضوع إلى هذا الفصل الذي أشار به من لا حاجة إلى تسميته . لكني أعظك وأعِظُ من أعانك مذكراً بخطورة قولك ''لم يدعوا شيئا إلا وأسلموه وحشروا الدين فيه حشراً أو حشروه في الدين ابتداء من المرأة وشؤونها، وانتهاء بشكل الرجل ولباسه وحديثه، وكل ذلك كان وما زال يتم باسم الدين ''. فلا بد أن أنبهك إلى خطورة هذا القول ، لأن قولك : حشروا الدين ... يوحي بأن الدين لا دخل له في كثير من شؤون وتصرفات العباد وأن هؤلاء حشروه حشراً في مجالات لا يتناولها ولا ينص عليها ، وحاشاك أن تقول أو تعتقد هذا ، لأنه تكذيب للقرآن العظيم الذي قال تعالى فيه ( ما فرطنا في الكتاب من شيء).
وظني أنك لا تعلم حكم من يزعم قصور الإسلام ، لأنك لو كنت تعلمه لما تجرأت على التصريح في أحد الملتقيات الطبية بأن الحجاب ما أنزل الله به من سلطان . إن هذا القول يا أخي قينان من العلمنة التي تدعو إلى سلخ الدين عن المجتمع وتنحيته عن ضبط شؤون الحياة ، ولا أظن أيضاً أن '' صحفياً متابعاً بدقة '' مثلك يخفى عليه هذا الطرح ، أو تخفى عليه المقالات التي يكتبها بعض المثقفين والتي تنادي بعدم تدخل الدين في كل شيء وسأسوق لك نموذجين للاطلاع فقط ، ولو ذهبتُ أتقصى كتاباتهم لضاقت بها صفحات هذه الجريدة . يقول أحدهم في مقال له بعنوان '' الحالة الدينية في السعودية '' نشرته جريدة الوطن ( عدد 1139): ''الذنب هو في القبول بصبغ الحياة الاجتماعية كلّها بصبغة الأيديولوجيا الإسلامية، والإصرار على إقحام الدين في شؤون الدنيا لإعاقة الحداثة''. فهل الذنب أخي قينان في أن نجعل حياتنا كما يريدها ربنا وأن نصبغها بصبغة الله التي رضيها لنا وأمرنا بها ؟!.
وهل يوجَه الليبراليون سهام النقد للفاتيكان لأنها صبغت الحياة داخل حدودها بالصبغة الكاثوليكية ، وهل نقرأ لهؤلاء مقالاً واحداً يدعو إسرائيل إلى عدم صبغ حياتها ومجتمعها بالصبغة التوراتية ، في الوقت الذي يصرح به قادتها بأن سر بقاء إسرائيل هو تمسكها بعقيدة التوراة وخدمتها هذه العقيدة . وأين أنتم من تشبث أمريكا بالديموقراطية والرأسمالية وصبغ كل مفاصل الحياة الأمريكية بصبغتها وتنحية المدارس الفكرية الأخرى بل ومنعها من التواجد على ''أرض الأحلام ''كالشيوعية والنازية والفاشية ، ألا ترون هذا ذنباً ومنعاً لحرية الفكر وأحاديةً في الرأي؟!.
ويقول آخر في مقال له بعنوان '' الإرهاب من الفكر الخارجي إلى السلوك القرمطي '' نشرته جريدة الرياض ( العدد 13436 ) : '' ليس صحيحاً ما يروّج له الإسلامويّ(!) من أنّ الزجّ بالدين في كلّ صغيرة وكبيرة هو عنوان التدين الحقيقي، أو أنّ ممارسه والمتحمّس له من أفراد المجتمع هو الأكثر تديّناً من غيره ''.. إلى أن يقول: '' تحييد الديني في الوقائع المدنية التي ليس فيها حكم شرعي صريح، أمر ضروري لئلا تمنح القداسة إلا للديني الخالص الذي نصّ عليه الشرع الحنيف..'' .
أليست هذه علمنة خفية، تتدثر بلباس العلمية، ولو أنّا أخذنا بقول هذا الكاتب، واقتصرنا على ما فيه نصّ صريح، لما بقي لنا من ديننا إلا القليل، وإنّ من المعروف لدى صغار طلبة العلم، أنّ الشريعة جاءت بكليات تندرج تحتها جميع الجزئيات، فلم ينصّ الله تعالى على كل جزئية بعينها، إذ إنّ ذلك يطول ولا يكاد ينتهي، مع ما يستجدّ من الجزئيات التي لم تكن قد وجدت عند نزول النصّ، ومهمة العالم أن يرجع هذه الجزئيات إلى كلياتها، ليبين حكمها، وما من قضية ولا مسألة إلا وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيان لها، إمّا بالنصّ الصريح، وإمّا بالتلميح من خلال الكليات المذكورة .
ثم يا أخي قينان لا حاجة إلى تثريبك على التيار السلفي الذي لا يملك أجندة سياسية وتراه محصوراً في ميدان الفقه ، هل هذا التيار السلفي محتاج للأجندة والتنظيم والعلاقة مع السفارات الأجنبية ؟، وما حاجته إلى ذلك وهو يرى عقد البيعة وفرضية السمع والطاعة في المعروف ويعرف حكم الخيانة والولاء المزدوج ؟!. نعم ، لو كان التيار السلفي على حد زعمك معارضة سياسية أو طابور خامس أو براغماتياً أو ميكافيلياً لما أعجزه أن يجد أجندة سياسية يترجم فيها الخيانة ويدعي من ورائها الإصلاح ... وهل ترى أن الفقه شيء زهيد أو قليل ؟!. أليست السلطات التشريعية في الدولة قائمة في هذه البلاد على حشد كبير من الفقهاء والعلماء ؟!. فلا تستهن بالفقه والشريعة ، ولا إخالك تستغني عن الفقه في حياتك كلها ما دمت مسلماً .
التيار السلفي والمجتمع السعودي
وما دمت أخي قينان منزعجا ممن أسميته التيار السلفي الذي سميته الإسلام السياسي بقولك '' تغلغل تغلغلاً هائلا في المدارس والجامعات والمساجد والأسواق والمناهج المدرسية والجامعية ومختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، واستخدم كل الوسائل المتاحة، وسائل الإعلام كلها، النشرات والمطويات، الأشرطة، المخيمات، المراكز.. إلخ''.فخذ السر ولا تبح به لمن يغيظه صمود أهل الحق أمام الباطل والمعروف أمام المنكر والاستقامة أمام الانحراف ... .
السر يا أخي قينان هو أن المجتمع السعودي مهما بدر من بعض أفراده من زلات أو هفوات يظل متديناً يخطئ ويصيب ويذنب ويتوب ويزل ويستغفر ... السر أنه على يقين أن ذنوبه مهما عظمت فإن رحمة الله أوسع ولا يغفرها إلا تمسكه بدينه والدعوة إليه ، لذا فسترى الدعوة إلى الله متغلغلة حيث وُجد هذا المسلم الواثق بعفو ربه ... السر أنه لا تلازم بين المعاصي كتلازم الفرشة ومعجون الأسنان أو طرفي المقص أو الدولة المدنية والعلمانية ، فإن أخطأ أو أذنب فلن يكون ديوثاً يرضى على محارمه مخالطة غير المحارم ، وإن زلت به القدم فلن يرضى أن تبيع أخته في المحل من الصباح إلى المساء بين البائعين والرجال . فهل يزعجك تمسك الناس بدينهم ؟.
لكن السؤال الأهم هو : هل أزعجك بنفس القدر تغلغل الفساد الأخلاقي في كثير من الشباب والشابات من خلال قنوات محسوبة علينا شئنا أم أبينا ، حتى قال أحد المداخلين في إحدى القنوات الفضائية المشهورة ببغضها لبلادنا : لو كففتم عنا تصدير الفساد الأخلاقي عبر القنوات التي تملكونها يكفينا منكم ، ولا تصدروا لنا دعوة ولا عقيدة ... هل حظيت هذه المراحيض بالرصد والمتابعة والنقد والاستنكار ؟، الجواب لا ، لأن الدولة المدنية لا ترى في هذا بأساً .
وهل يمكن أن يتراجع الليبراليون عن الفساد والإفساد بنفس الصيغة والطريقة التي سقتها على حد قولك : '' فتراجع بعض منظري التيار''؟. ولو تراجع الليبراليون عن طرحهم الذي يثير الشك والريبة كتراجع بعض من تورطوا في الفكر الضال وأعماله وكتراجع عبد العزيز الشنبري ـ وفقه الله وثبته على الهدى ـ لكان خيراً لهم، فصدر القيادة مفتوح ويتسع لجميع أبنائها . ثم يا أخي قينان ، وأنت المعروف بدعوتك إلى كشف المستور وعدم ترك القضايا حبيسة الصدور حتى تتضح الأمور على رق منشور ، كيف يضيق صدرك بكل مواطن عبَّر عن رأيه وموقفه ببرقية أو رسالة رفعها إلى ولي الأمر حيث تقول منكراً على الذين استنكروا قرار بيع المرأة للمستلزمات النسائية ، وسأنقل كلامك بالنص : ''ويكتبون من أجله آلاف البرقيات، ويجرون ملايين الاتصالات ويزعجون المسؤولين والعلماء ويخوفونهم أشد التخويف من النتائج والعواقب ''.
فهل ترى لهم طريقاً غير هذا وهم يرفضون العنف والتطرف في وقت تضيق فيه مساحة حرية الرأي لدى دعاة الدولة المدنية برأي الآخرين ، وتغلق صفحات الرأي أمام المخالف ، ولو نُشر لواحد أو اثنين فحتى لا يُقال أحادية متعمدة في معادلة غير متوازنة تسعى لإظهار الغالبية رأياً نشازاً وجعل الرأي الشاذ أو النادر رأياً عاماً !! .
ثم يا أخي قينان إذا لم تُفتح لأرباب القلم والكلمة من هؤلاء صفحاتُ الرأي وأعمدةُ الصحافة كما فُتحت لكم ، فهل من سبيل سوى الرفع لولاة الأمر ؟!، وهي الكلمة القرآنية ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ... غير أن كلمة ولاة الأمر كلمة مرفوضة في مصطلح الدولة المدنية ، وليس الانزعاج من البرقيات والشكاوى والاتصالات لكن الانزعاج من بقاء القناعة من وجود شيء اسمه ولاة الأمر واقعاً عملياً لدى الدعاة إلى الدولة المدنية بنصها الأصلي أما النسخة المعدلة من الدولة المدنية فنحن بانتظار توضيح موقفكم من هذه المسألة فيها .
وماذا يضيرك أن يفزع الناس إلى ولي الأمر بالمقابلة والاتصال والبرقية لإنكار المنكر أو مواجهة التدرج في التغريب القسري أو ما حصل في رفض وجود البائعات بين البائعين في الحوانيت وأزقة الأسواق في أوقات الذروة والخلوة ولم يرفضوا قصر بيع مستلزمات النساء على النساء ، لكنهم رفضوا الفخ المنصوب في مسألة ظاهرها الحق وباطنها باطل معلوم ـ مقصود أو مجهول أو غير محتمل ـ لدى المتحمسين للزج بالنساء بين الرجال وبجوارهم وإذا كان القصد اغتنام الفرص السانحة لعمل المرأة في هذا الأمر ؛ فما المانع من التدرج وتخصيص أجنحة بمداخل مستقلة تحت حراسة أمينة على هذه المداخل ... فهل هذا من المستحيل أو عسير المنال ؟!، اللهم إلا أن يكون القصد حرية الوصول إلى المرأة وليس توسيع فرص العمل للمرأة ، وهذا ما لا ولم نتهم به أحداً ولكننا نخشى منه بغفلة أو إسراف في حسن ظن
-
من تنافح عنهم باتوا شهودا عليك
ويزداد عجبي أخي قينان في نفيك المطلق !!. وخذها نصيحة : النفي المطلق لا يقدر عليه إلا جهابذة العلماء الذين استقرؤوا وتتبعوا الدقيق والجليل فيما ينفون ثم يقولون بنفيه ، ومع ذلك فتواضعهم يسبق جوابهم إذا سئلوا ، فيقولون فيما نعلم أو لم نسمع به ... لكنك أخي نفيت في المقال السابق أن يقول المنظرون والمتخصصون في السياسة والمراقبون والعوام أن الدولة المدنية نقيض لجوهر الإسلام ، لكنك فوجئتَ بأن مَن تنافح عنهم باتوا شهوداً عليك وجاؤوا بنقيض ما أردتَ ، ولم يبق أمامك سوى أن تخالفهم أو تتراجع أو تقول : أردتُ شيئاً جديداً أو نمطاً فريداً ، كما هو الشأن في تحولك وتسليمك في تحرير المصطلح على غير اطراد في سياق مقالك ، ولكن لكون الدولة المدنية ليست كتاباً ولا سنة ولا ديناً ولا شرعاً فلن أحرَج عليك أن تقول فيها معدَلاً في المصطلح بأي تحرير تشاء لأنه يوجد مَن يناقضك تماماً من كبار العلمانيين الذين مردوا عليها ، وربما تجد من يوافقك على هذا التحرير والتحوُّل ، ولذا لم أجدُ غضاضة يوم قلتُ سموها ما شئتم الدولة المدنية أو البيزنطية أو البيبسي كولا. وأعود إلى نفيك القاطع وعجبك البالغ بقولك :'' قولوا لي بالله عليكم هل سمعتم أو قرأتم لسعودي واحد يقول ''لا أحد يملك الحقيقة المطلقة ولا يستثنى الله ورسوله''؟.
أخي قينان ، خذ هذه المعلومة: يقول منصور النقيدان في برنامج إضاءات في قناة العربية يوم الأربعاء 15 سبتمبر 2004م، 30 رجب 1425 هـ) ما نصه : ( لذلك يجب الإيمان بنسبية الحقيقة.. فلا أحد لديه الحقيقة المطلقة ) ، مبشراً بدين جديد اسمه ''الإنسانية''. وعجبتُ لماذا لم ينكر عليه ''التيار '' الليبرالي ، الذين جعل من ثوابته ـ كما زعمتَ ـ ''الدين الإسلامي شريعة ومنهجاً، ومصدراً لكل الأنظمة''!!. والسؤال : هل سترد عليه ؟، طبعاً لا ، هل ستطالبه بتحرير العبارة ؟ ، طبعاً لا ، وأتمنى أن أكون مخطئاً فتُخَيَبَ ظني ، وتناقشَه وأمثالَه في العبارات التي لو أحسنَّا الظن حيالها لكان من احتمالاتها قول الله تعالى (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) . مع أنه لا يوجد ما يمنع من النص والاستثناء في مثل هذه الجمل الشنيعة فيُبين الكاتب والقائل ان الحقيقة المطلقة هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع القرون المفضلة ، أما إيراد العبارة خلواً من البيان ، لترضي هؤلاء وتحميك من هؤلاء فذاك طريق لا يخفى عليك اسمه .
هل سيوافقك الليبراليون في مفهومك هذا ؟
وما دمتَ مصراً بعد الاستسلام والتسليم في تحرير المصطلح وفقاً لاختيارك أنت ، خلافاً لمن تعلم ، قائلاً : ''وكنت سأسرد لك من الأدلة على قصور الفهم حول ''الدولة المدنية'' وما يؤكد لك أنها من جوهر الإسلام، ما يستغرق صفحات من هذه الصحيفة، بل لو سردت لك مقتطفات من قراءاتي اليومية في الصحف السعودية والعربية كل صباح لكفى''. فسؤالي هنا : هل ستذكر موافقة الدولة المدنية لجوهر الإسلام من القراءات اليومية في الصحف العربية والسعودية ؟. وهل هذه الموافقة وفقاً لرأيك الجديد ؟، إن كان جوابك نعم ؛ فهذا يوم عيد ، كما أنه فتح مبين أن يوافقك العلمانيون والليبراليون في الصحف العربية والسعودية على فهمك وتحريرك لمصطلح الدولة المدنية طبقاً للأصول الثلاثة التي ذكرتها في المقال وهي : الدين الإسلامي شريعة ومنهجاً، ومصدراً لكل الأنظمة والثاني هو الوحدة الوطنية التي أرسى دعائمها الملك عبد العزيز ومسؤولية الجميع حكاماً ومحكومين هي المحافظة عليها، والثابت الثالث هو القيادة السياسية المتمثلة في أسرة آل سعود. أم أن هذه الموافقة لخوارج العلمانيين والليبراليين الذين خرجوا عن رأي كبار العلمانيين ، وإن كان الدود سيأكل أذنك التي تسمع ، فقل لي بربك أين ومتى ومن قال بالدولة المدنية ـ غيرك ـ على هذا النحو ؟!، وسأكون مسروراً أن يكون جمهور العلمانيين والليبراليين يوافقونك على هذا التحرير .
وبالمناسبة في موضوع أذنك التي سيأكلها الدود والتي سمعتَ بها أنني قلت في التلفزيون السعودي ذات يوم أن''الحجاب في السعودية - تغطية الوجه والكفين للمرأة - عادة ارتفعت إلى مرتبة التشريع... '' فهل كان هذا الزعم الذي لا صحة له سراً على قناة فضائية في يوم ختم الله على قلوب المشاهدين وطمس أبصارهم وأصم أسماعهم فلم يفق إلا أنت وحدك فسمعته ولم يسمع به أحد من العلماء والفقهاء وطلبة العلم حتى يسكتوا غفلة أو مجاملة في ترك الإنكار على كلام كهذا ! . أيقول مثلي أن تغطية الوجه والكفين للمرأة عادة ارتفعت إلى مرتبة التشريع فقط عادة وليست قولاً راجحاً يقابله قول مرجوح بجواز الكشف مع أمن الفتنة ؟.
وإن كان كثير من الليبراليين يدندنون حول هذا القول المرجوح دون ذكر التفصيل في قيدِ أمنِ الفتنة. يا أخي قينان ، يوم قلتَ في الملتقى الطبي أن الحجاب ما أنزل الله به من سلطان ، علمتَ ماذا جرى بعد ذلك ... أني أعظك أن تُسمع أذنك ما لم تسمع ، أو تُريَ عينك مما لم تر ، فهذا من أفرى الفرى ، ولعله وَهْمٌ تتابع أو نقلٌ بسند فيه مجروح العدالة أو وضَّاع لا يُروى حديثه ، فتثبَّت .
إقحام الوهابية
وأما جر الحديث إلى الوهابية وقولك : '' ولا بد أن نعلم أن تهمة ''الوهابية'' التي يلصقها العالم ببلدنا، ليست بسبب مدرستنا السلفية التقليدية مهما قيل عن تشددها الفقهي، إنه - يا دكتور سعد - بسبب تيار الإسلام السياسي '' . فخذ مني أنت والقارئ الكريم هذه الهدية وانشرها ما استطعت وهي رد على كل من يجادلنا بالوهابية فنقول له : لن يعذب الله مسلماً لأنه لم يعرف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة ، إذا جاء يوم القيامة بالتوحيد الخالص والعبادة النقية من البدع ، بل لو تنزلنا في الحوار لقلنا للمخالف إننا لم ولن نعرف شيئا اسمه محمد بن عبد الوهاب بشرط أن نتفق على الإسلام الصحيح والتوحيد الخالص والعبادة الخالية من البدع قبل أن يولد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله...
فماذا يبقى لمن يجادلنا في الوهابية ونحن نتنزل معه بالتسليم بعدم وجودها كوناً وتاريخاً ؟!. إلا أن يعاند المخالف فلا يقبل الإسلام الصحيح قبل محمد بن عبد الوهاب محتجاً بالطعن في ابن تيمية رحمه الله ، ونتنزل مرة أخرى فنفترض أننا لم ولن نعرف ابن تيمية وأنه لم يوجد كوناً وتاريخاً فهل يقبل المعاند بالإسلام الصحيح قبل ابن تيمية ؟، فإن عاند فلن يقبل الإسلام أصلاً ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ) ، وإن وافق سجدنا لله شكراً على هدايته .
شنشنة الإسلام السياسي
وأما شنشنة أخزم حول الإسلام السياسي ، فألقِ بهذه التهم على من تنطبق عليه، وكلٌ حجيج نفسه، أما أنا فلا سبيل إلى التعريض والتحميز واستدعاء القضايا الأخرى أمام من يحسب نفسه من أصدق الناس لهجة وأكثرهم وضوحاً في محاربة المناهج المستوردة ومن أكثرهم حديثاً عن الأمن الفكري ومن أَصبرِهم على ما لقي من العنت جراء وضوح المواقف بل والإسهام في الاتجاه الصحيح منذ أزمة الخليج واحتلال العراق للكويت مروراً بالمعاناة التي أحمد الله على ما لقيت فيها جراء الصمود في مواجهة التكفير والغلو والتطرف ، ولو وافقتُ من خالفني في تلك الأزمات لما استطعتُ أن أقف في وجه العلمانيين والليبراليين بهذه اللهجة وهذا الوضوح ، أسأل الله لي ولك حسن الخاتمة والثبات على الحق آمين . ولعل ما سلف وما قبله في الرد السابق يكفي لبيان الأمر، وسأكتفي بهذا خشية المراء ، والمراء لا يأتي بخير ، وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم :'' أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ''. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
-
أخوي قولف استريم
تحية طيبة.............
لسؤال المهم جداً جداً ... لمصلحة من نقارن بين الاسلام والاديان الاخرى .... !!! السؤال المهم جداً جداً ... لمصلحة من نسقط مصطلحات فشلت فشلاً ذريعاً وهي عبارة عن ردات أفعال للأديان الاخرى كالعلمانية والليبرالية على الاسلام العظيم .....!
والإجابة
العالم اليوم كالأسرة الواحدة في البيت الواحد فلا يمكن أن تعزل أفراد هذه الأسرة بعضها عن بعض....أحداث العالم اليوم هي التي قارنت الإسلام بالديانات الأخرى بسبب التواصل الثقافي وحوار الأديان والعولمة ومنظمة التجارة العالمية فزمن الإنغلاق لم يعد موجوداً فهاهو عمك المحترم يستبدل المهلبية بموكا موليه كما أن الحفاظ على الخصوصية لم تعد بتلك الفاعلية ، وكما تعلم يا أخي قولف استريم أن ثقافتنا اليوم اصبحت مستوردة من الدرجة الأولى من الإعلام بمختلف وسائلة ، وما دام أن الإعلام بدأ مع العولمة بإدارة علمانية صرفة فإن تأثيرة بالطبع كان كبيراً علينا وعلى ما نستخدمه من مصطلحات وأفكار ، أما الإعلام الإسلامي فإنه حديث الولادة.
السؤال المهم جداً جداً ... لمصلحة من نسقط مصطلحات فشلت فشلاً ذريعاً وهي عبارة عن ردات أفعال للأديان الاخرى كالعلمانية والليبرالية على الاسلام العظيم .....!
أريد أن أقول لك أتظن أن مشروع الشرق الأوسط الكبير طوي ووضع في الدولاب؟؟؟
هذا المشروع بدأ تطبيقه ولكن بحكمة خبيثة وإستراتيجية بعيدة المدى ، وهذا المشروع يقوم على إحلال (الإسلام الليبرالي) في المنطقة كما ذكر ذلك بوش وكندليزا رايس وتشيني بأن تركيا تصلح نموذجاً للشرق الأوسط .
كما أن مصطلح الإسلام الليبرالي تبناه نجم الدين أربيكان في حزب الرفاه عندما وقف أمام مجسم كمال الدين أتاتورك وأعلن ألتزامه بالدستور العلماني (ولا أدري أهي مراوغة من أربيكان!!!)
كما أن سيد قطب رحمه الله ذكر مصطلح (الإسلام الأمريكاني) يعني الإسلام بالطريقة التي تريدها أمريكان
والشيعويون في زمن الشيوعية جاءوا بمصطلح (الإسلام الأحمر)
الشاهد : أنه مادام القوى الخارجية الغربية مهيمنة على السياسة بمشاريعها وخططها وإستراتيجياتها فإن العالم الثالث مضطر إلى الحفاظ على هويته على الأقل ومواجهة المشاريع ومصطلحاته ، فمن الصعب أن تستخدم لغتك الخاصة بك في المنزل الواحد ما دام أن للأب الولاية عليك ، فلن يفهمك أحد من الأسرة ولن يستوعبوا ما تريد إن أنت جنحت إلى غير ما يستخدمون من ألفاط ومصطلحات.
أما قياسك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتنصير (التبشير) فهذا لايستقيم ، لأن التنصير هي حركة سياسية دينية لغير النصارى .
أما الهيئة فهي خاصة بالمسلمين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر ، وليست خاصة بدعوة غير المسلمين.
ولا يمكن أن تقارنها بمواعظ رجال الدين النصارى الذين يقفون أمام أبواب المسارح والحانات اللا أخلاقية ويحذرون الناس من غضب الرب ولا يملكون سلطة لمنع الناس ، فقط مجرد وعظ ، والناس يمرون من أمامهم بلا انتباه ولا ألتفات أما هم فيؤدون ذلك من أجل أن لايضغب عليهم الرب ، غير أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكسب أهيمتها ومكانتها من إمتلاكها لسلطة.
شكراً لك أخوي قولف استريم.