ليست المسألة تعجبني أو لا تعجبني.. لكن الجديع فعلا يستدل بما يدل على جواز الترنم مع أنه يقصد في السياق الموسيقى.. وقد رد عليه في ذلك وتعجب منه وهو باحث وأكاديمي، وهذا الإشكال قديم، إذ قال ابن قدامة عليه رحمة الله عليه حول من يصنع هذا الأمر: (ومن لا يفرق بين الغناء والحداء وبين الشعر على أي وجهٍ كان ، وبين السماع والاستماع ؛ فإنه ليس بأهل للفتيا) .
وحينما علّق ابن قدامه على ابن الحنبلي، حينما دخل في هذا الباب والتبس عليه ذلك قال ابن قدامة: (ويغلب على الظن أن ذلك ليس بخافٍ عليه، وذلك أنه قد استدل للغناء بالحداء وبنصوصه، فإنه لما ضاقت عليه ممادح الغناء مال إلى ما يقاربه وهو الحداء).
لذا فإن المشكلة ليست في .. بل -كما يذكر أهل العلم- في ضعف اللغة عند بعض المخالفين، وإلا هل تعلمون أن الغناء بآلات الطرب لم يعرف إلا في القرآن الثالث.. أي في أواخر المائة الثانية..، قال ابن تيمية -رحمة الله عليه: [ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة؛ لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في مصر ولا في العراق ولا في المغرب ولا في خرسان عند أهل الصلاح ,وأهل الزهادة, وأهل العبادة الاجتماع على مثل المكاء والتصدية، إنما نشأ ذلك في أواخر المائة الثانية ].
أما الخلاف، فيقول المفتي العام للمملكة وفقه الله تعالى في شرحه لحديث [من رأى منكم منكرا.. الحديث]:
[ قال (فليغيره بيده) بل قبل (فليغيره بيده) (منكراً) هنا المنكر المراد هنا فيه ما عُلِم كما ذكرنا ما عُلِمَتْ نكارَتُهُ بالشريعة ، وهذا يدخل في صورتين :
الصورة الأولى ما كان مُجمعاً عليه .
والصورة الثانية ما كان مُختَلَفاً فيه ولكن الخلاف فيه ضعيف ، فهذا يُنكَر .
ما أُجْمِعَ عليه ينكر.. وما اختُلٍف فيه وما اختُلِف فيه ولكن الخلاف فيه ضعيف هذا يجب إنكاره.
وما اختُلِف فيه والخلاف فيه قوي هذا لا يُنْكَرْ ، بل لا يجوز إنكاره ولكن يُنَاَظُر فيه ويُجَادَلُ فيه ويبحث فيه ].
بشكل عام فإن أقل أمر المناقشة والمناظرة.. إذا كان الخلاف قويا.
والذي أؤمن به أن الخلاف في موضوع الغناء ضعيف، لعدة أمور:
- لورود الأحاديث الصحيحة والحسنة حول حرمة المعازف، وعلى رأسها حديث البخاري المعلق مجزوما به الذي يصح الاستدلال به.. والأحاديث الأخرى كذلك.
- لوجود الإجماع، وقد نقل الإجماع كلا من: أبو بكر الآجري.. وأبو الطيب الطبري.. وابن قدامة المقدسي.. والحافظ ابن الصلاح.. وقد نقلت عن السلسلة الصحيحة للألباني 1 / 145: [ ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها ]..، فكيف -هداك الله- تنفي وجود الإجماع عليه.
- صراحة ووضوح كبار علماء الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من كبار علماء الأمة بتحريم الغناء كابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن البصري وابن تيمية وابن القيم (وهم من أنكر الغناء وهو صاحب الكلام حول إنكار الخلاف.. فتمعن) والبغوي وفي هذا العصر كبار العلماء في المملكة العربية السعودية كابن باز وآل الشيخ وابن عثيمين وبكر أبو زيد.. وغير هؤلاء الأئمة كثير.