.
.
.
.
قتلهم الوهم !!
يقال : إن الطاعون مر برجل جالس على قارعة الطريق فسأله الرجل : أين تريد ؟؟
قال الطاعون : سأذهب إلى البلد الفلاني لأقتل من أهله عشرة آلاف نفس !!!
وبعد مدة رجع الطاعون مع الطريق نفسه فوجد الرجل ذاته جالسا فقال الرجل للطاعون : كيف تقول : إنك ستقتل من أهل ذلك البلد عشرة آلاف نفس ، والذي مات في ذلك البلد أكثر من ذلك بكثير ؟؟
وقف الطاعون ونظر إلى الرجل وقال : إنما قتلت العدد المذكور ولم أتجاوزه وأما الباقون فقد قتلهم ( الوهم )
****
معنى قوله : ( قتلهم الوهم ) أي أنهم توهموا أنهم أصيبوا بذلك المرض فأثر هذا الوهم على حياتهم فماتوا متأثرين بمرض الوهم لا بمرض الطاعون وقس على هذه القصة التي تروى في الأساطير كثيرا من المواقف والتصرفات وستجد أن أصحابها صرعى مرض الوهم الذي قد يموت صحابه متأثرا بجراح بليغة غير بادية للعيان .
****
يعكر مرض الوهم على صاحبه صفاء الحياة ويقيد المصابين به بقيود غليظة وأغلال ، ويكويهم بجحيم وأنكال فتضيق عليهم الدنيا بما رحبت بعد أن ضيق الوهم عليهم صدورهم والأخلاق وشد عليها الوثاق ولعمر الحق ماضاقت بلاد بأهلها وإنما يضيق بها الناس :
لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها ...... ولكن أخلاق الرجال تضيق
****
قد يتوهم شخص ما أنك تبغضه أو تحسده أو تعاديه فيفسر كل قول تنطق به أو فعل تفعله على أنه موجه إليه أو انك تعنيه به فينشغل بذلك أيما شغل ويكون همه الأول تتبع ماتقول وما تفعل ثم ينشغل بعد ذلك بتفسير حركاتك وأقوالك لمن يجهل حالك على حد زعمه وتند منه بعض الكلمات والتصرفات التي يترفع عنها العاقل لكنه في غمرة مرض الوهم لا يبالي بما يجلب له الذم ويأتي له بالغم والهم :
يقضى على المرء في أيام محنته ....... حتى يرى حسنا ماليس بالحسن
****
التفت يمنة ويسرة ستجد كثيرين من صرعى هذا المرض ممن قاده الوهم بمختلف أعراضه إلى الشقاق والنفاق وسيء الأخلاق .
نشاهد كثيرا من الناس الذين صاروا مجالا للتندر ومضربا للمثل في أعراض هذا المرض ممن يعيشون عظمة زائفة أو غنى لا حقيقة له أو ثقافة خاوية ممن يندبون ميتا أو يفخرون بفعل من بليت عظامه أو يتذاكرون نبيها عالما خلف من بطّأ به أدبه كصلعاء تفخر بشعر جدتها .
****
إنها أوهام تقيد كثيرا من العقول والأفراد والجماعات والأمم جيلا بعد جيل :
وهم يقيد بعضهم بعضا به ...... وقيود هذا العالم الأوهام
إنها أوهام إذا خيمت على عقل وانساق وراءها ساءت ظنونه وساءت تبعا لها أفعاله واستبدت به نتيجة لها همومه :
اذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ...... وصدق مايجتاحه من توهم
وتقبلوا تحياتي