[
الصيام
تعريفه لغة
هو الإمساك ومنه قوله تعالى : } إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا{ 26سورة مريم ، أي إمساكاً عن الكلام ،
قال النابغة وقيل ( غيره) :( خيل صيام وخيل غير صائمة .....تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما)،
أي ممسكة عن الصهيل ،
تعريفه شرعاً
هو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، قال تعالى: { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الليل }187 سورة البقرة.
المسألة الأولى
حكم صوم رمضان
ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه دل على ذلك القرآن والسنة وإجماع الأمة ، قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(183) سورة البقرة، وقوله تعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فليصمه }(185) سورة البقرة. وأما من السنة ما أخرجه الإمام أحمد والشيخان وغيرهم من طريق عكرمة بن خالد أن رجلا قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما ألا تغزو ؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) وغيره من الأحاديث ، وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة إجماعا قطعيا على فرضية الصيام وأنه من أركان الإسلام ومبانيه العظام ، ومن أنكر وجوبه فقد كفر وخرج عن الإسلام
وأما من ترك صيام رمضان تهاونا وكسلا مع قدرته على الصيام ووجوبه عليه فإنه يكون عاصيا مرتكبا لكبيرة من كبائر الذنوب ، حيث ترك فريضة من فرائض الله على عباده وتهاون بركن من أركان الإسلام ، جاء في رواية عبدالملك الميموني قال: قرأت على أبي عبدالله : من قال أعلم أن الصوم فرض ولا أصوم ، فأملى علي يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة : فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد، إحداها يقتل بذلك كله (( يعني الزكاة والصوم والحج )) كما يقتل بترك الصلاة وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مباني الإسلام فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ، ولهذا قاتل الصديق مانعي الزكاة ، وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة إنها لقرينتها في كتاب الله،، وأيضا فإن هذه المباني من حقوق الإسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام ،، فهذا قتال للفئة الممتنعة والقتل للواحد المقدور عليه إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال ..انتهى كلامه رحمه الله ..
المسألة الثانية
متى افترض الصوم ؟
افترض الله تعالى الصوم على هذه الأمة في السنة الثانية للهجرة بإجماع أهل العلم ، نقل ذلك ابن قدامة في المغني ، والمرداوي في الإنصاف ، وغيرهما من أهل العلم ، وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعاً.
المسألة الثالثة
حديثان في عقوبة ترك الصيام من غير عذر
الحديث الأول : روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر كله ولو صامه)، وذكره البخاري في صحيحه معلقا غير مجزوم به ، بل بصيغة التمريض فقال : ويذكر عن أبي هريرة رفعه ،، قال الترمذي حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمعت محمدا يعني البخاري يقول : أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث انتهى ،، وقال البخاري أيضا : " لا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا ،، وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به،،
وذكر ابن حجر في الفتح : أن في هذا الحديث ثلاث علل :
الأولى: الاضطراب.
الثانية: الجهل بحال أبي المطوس.
الثالثة: الشك في سماع أبيه من أبي هريرة ،، انتهى.
فتلخص مما سبق ضعف هذا الحديث ولا يصح الاحتجاج به وإن كان في الترهيب ،، لأن الترهيب من الشريعة ،، وهذا هو القول الصواب في مسألة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ،وهو أنه لا يعمل به ، وذلك لأن فضائل الأعمال من الشريعة وقد تكفل الله تعالى بحفظها ، ولأن بالصحيح غنية عن الضعيف ، وهذا هو رأي الشيخين البخاري ومسلم وغيرهما من أهل العلم عليهم رحمة الله تعالى ،
الحديث الثاني : روى النسائي في السنن الكبرى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق بشر بن بكر حدثني ابن جابر قال حدثني سليم ابن عامر قال حدثني أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بصوت شديد فقلت ما هذه الأصوات قال هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما فقلت من هؤلاء فقيل هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ثم انطلق بي فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا وأسوؤه منظرا فقلت من هؤلاء قيل الزانون والزواني ثم انطلق بي فإذا بنساء تنهش ثديهن الحيات قلت ما بال هؤلاء قيل هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن ثم انطلق بي فإذا أنا بغلمان يلعبون بين نهرين فقلت من هؤلاء فقيل هؤلاء ذراري المؤمنين ثم شرف بي شرفا فإذا أنا بثلاثة يشربون من خمر لهم فقلت من هؤلاء قالوا هذا إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك) وإسناده صحيح .. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والألباني ،
يتبع............