(خريطة شبه جزيرة القرم)

القرم شبه جزيرة تمتد من البر الأوروبي في البحر الأسود شرقي أوروبا ، ويربطها باليابس برزخ ضيق في شمالها تمر عبره خطوط المواصلات . وتحيط بها مياه البحر الأسود من الجنوب والغرب . وتبلغ مساحتها 26150 كم2 . وصلها الإسلام عن طريق التتار في عهد القبيلة الذهبية الذين استقروا في المنطقة عام 740 هـ / 1339 م وكانوا قسما من دولة المغول ، وبعد انحلال دولة المغول كونت القرم دولة تحت حكم أسرة كيراي منذ سنة 836 هـ / 1427 م ، وقويت ومدت نفوذها باسم الدولة العثمانية ، وبلغت قوتها أن إمارة موسكو دفعت لها الجزية السنوية في عهد السلطان محمد كيراي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري ، بل هاجمت موسكو وانتقمت منها لما فعلته بالمسلمين التتار في البلاد الشرقية سنة 979 هـ / 1571 م . وحكموا مقاطعة الدونتز من روسيا الجنوبية ، ولكن الروس انتصروا عليهم ، وانتزعوا الأراضي الشمالية عام 1091 هـ / 1680 م ، وهذا ما جعل العثمانيين ينزلون إلى شبه الجزيرة واتخذوا لهم مراكز في جنوبها ، وتسلموا مضيق ( كرش ) .


ولما أصاب العثمانيين الضعف قام الروس بغزو شبه الجزيرة سنة 1149 هـ / 1736 م و 1150 هـ / 1737 م و 1151 هـ / 1738 م ، واستولوا عليها نهائيا سنة 1192 هـ / 1783 م . وأصدرت الإمبراطورة كاترين الثانية مرسوما أعلنت فيه ضم الإمارة إلى الإمبراطورية الروسية متعهدة للمسلمين بضمان حقوقهم في أملاكهم وحرياتهم الدينية – ولم يكن هذا الوعد إلا تضليلا – فقد صادرت الحكومة بعد سنوات خيرة أراضي أهلها ووزعتها على النبلاء وطردوا 500 ألف مسلم . وأصدرت قوانين تحرم الدعوة إلى الإسلام ، وتعاقب من يقوم بها بالأشغال لاشاقة . ثم تدفقت سيول المهاجرين الروس الأوروبيين . وهكذا وجد المسلمون أنفسهم يطردون من أراضيهم الخصبة إلى الأراضي القاحلة في وسط شبه الجزيرة . وأصبح تاريخ هذا الشعب التتري في القرم خلال ما يزيد على مائة عام عبارة عن سلسلة طويلة من الهجرة الجماعية اليائسة تحت أشد حالات البؤس والتعاسة ، هلك خلالها الألوف المؤلفة مرضا وجوعا ، وكانت نتيجة ذلك أن أصبح هذا الشعب أقلية في وطنه أمام كتلة روسية تفوقه ثروة وحيوية .


ونشط تتار القرم في استعادة كيانهم منذ صدور قانون حرية العقيدة في روسيا سنة 1323 هـ / 1905 م ، وحتى استيلاء السوفييت على الحكم سنة 1336 هـ / 1917 م ، واستقلوا أثناء الثورة الشيوعية ، وأجريت الانتخابات في البلاد واجتمع مجلسها الوطني ووضع دستورا للبلاد . ولكن الشيوعيين نجحوا في العودة بعد مقاومة عنيفة لجأوا فيها إلى حرب التجويع والحصار القاسي ، فأهلكوا ما يقرب من ستين ألفا جوعا حسبما نشرت جريدة الإزفستيا الروسية في عددها الصادر بتاريخ 25 تموز ( يوليو ) 1922 م ، في تقرير للرفيق كالينين وقتلوا مائة ألف وعملوا على نقل زهاء خمسين ألفا ، ولما دخلوها نصبوا بالاكون المجري اليهودي رئيسا للبلاد ، وهدموا المساجد والمعاهد ، فلم يبق من 1558 مسجدا بالقرم إلا بضعة مساجد . وبدأ عدد السكان يتناقص .


وفي عام 1347 هـ / 1928 م إتجه الشيوعيون إلى جعل شبه جزيرة القرم موطنا ليهود روسيا ، ولما احتجت حكومة القرم أعدم رئيس جمهوريتها وأعضاء حكومته ، ونفي أربعون ألف مسلم إلى مجاهل سيبيريا .


ولما غزا الألمان المنطقة إبان الحرب العالمية الثانية انهزم أمامهم الفيلق القرمي ، ثم استسلم وتعداده 18 ألفا تخلصا من الروس ظنا منهم بأن الألمان أفضل منهم ، ولم يدر بخلدهم أن الكفر ملة واحدة ، قفد نزع الألمان سلاحهم وساقوهم 150 كيلو مترا سيرا على الأقدام دون طعام ، فسقط بعضهم من شدة الإعياء ثم سجنوا في جامعة بناؤها قلعة من قلاع العصور الوسطى ، لا يصل إليها النور ، ومنع عنهم الطعام بحجة نقص المواد الغذائية عند الألمان ، فبدأوا يتساقطون جوعا إلى أن أكل بعضهم بعضا ، وأخرج الألمان البقية الباقية وقتلوهم رميا بالرصاص ، ولم ينج منهم سوى ثلاثة شاء الله لهم الحياة حتى تصل إلينا أخبار هذه الكارثة الأليمة.وعلى الرغم من هذه الكارثة فقد اتهم الروس السكان بأنهم عملاء للألمان يجب محاكمتهم ، فدخلوا العاصمة باغجة سراي سنة 1362 هـ / 1943 م وبدأوا بطمس معالم الإسلام فيها حتى المساجد الأثرية مثل جامع ( خان ) وجامع ( يازار ) وجامع ( اصماقويو ) وغيرها . وجمعوا المصاحف الكريمة وأحرقوها في الميادين العامة وقتلوا من السكان ما يقرب من نصف مليون ، وأجلوا الباقي عن بلادهم ، وأعلن مجلس السوفييت الأعلى إلغاء جمهورية تتار القرم من الوجود ، وضمت إلى جمهورية أوكرانيا السوفيتية .


وأخذ تتار القرم يهيمون في مجاهل سيبريا ويطالبون بالعودة إلى وطنهم ، وشعر الروس أن بعض المنفيين من تتار القرم يعودون إلى بلادهم دون إذن من السلطات الروسية ، فأرسلوا رجال الأمن يخربون البيوت التي قطنها العائدون فوق رؤوسهم . واقتادوا من نجا من الموت إلى السجون . ورفضوا طلبات الذين طلبوا العودة.وفي عام 1387 هـ / 1967 م قرر مجلس السوفيات براءة تتار القرم من تهمة التعاون مع الألمان ، وألغي قرار الإتهام السابق بعد فوات الآوان.