الرجولة التي نريد


منازل الأبطال ، صعبة المنال ، لا تشترى بالمال والدنانير ، فهي بيد الغني والفقير ، وليس لها مع أحد نسب ، فلا تكون

إلا لمن بذل السبب ، ولا تعتمد على الأجناس والألوان ، فافهم هديت البر والإحسان ، لكن مع الأسف الشديد ، تغيرت

الأفهام لدى بعض العبيد ، فجعلوا من السفهاء ، مضرب المثل والإقتداء، وأصبح ميزان الرجولة ، منصباً على شنب

وفحولة ، حتى لو كان معه خلل وتقصير ، وإعراض عن شرع الله القدير ، فالبطل عندهم من جاهر بالفسق والعربدة ،

وظاهر الباطل على الحق وأيده ، والرجل في عرفهم من كان صاحب غنىً وترف ، ومال إلى أوتار العود وعزف ، وفي

نظرهم أن من ملك الدنيا ، كأنه ضمنت له الأخرى ، فلا ينظر أمن حلال أكل أو حرام ، نعوذ بالله من شر الختام ، لكن

الرجولة الحقيقية ، لمن كان حسن السجيّة، وخاف ربه ونهى النفس عن الهوى، وسلك سبيل الحق والهدى ، وخالط أهل

الهمم السامقة ، وبحث عن المراتب السامية ، وجعل قدوته رسول الله خير المرسلين ، من كان أتقى الناس لرب العالمين ،

كان التواضع حلته ، والصدق مقولته ، مقدام شجاع ، يأسر القلوب والأسماع ، لم يلبس الناعم من الثياب ، لأنه يرجو ما

عند الوهاب ، كان يصوم النهار ، ويقوم الأسحار ، متواضع من غير ضعف ، وقوي من غير عنف ، يقف مع المسكين

والأرملة ، ويختار من الحديث أجمله ، ويجلس مع الغني والفقير ، ويسلم على الصغير والكبير ، ومهما تحدثت وقلت ،

أجدني عن وصفه ما أنصفت ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، فاتبع هديه فهو خير الطرق ، ومن أراد العز

والمجد في غير هذا السبيل ، فبشره الندم والخسران الطويل ..