القدرة على الكتابة والتأليف والحفظ وحسن الحديث من أجلّ النعم الظاهرة والباطنة التي أسبغ الله تعالى بها على العديد من عباده ، وفي هذه النعم يتقلب فيها أصحابها ، ويعتزون بها لا لأنهم ورثوها عن أجدادهم أو آبائهم وأمهاتهم ، وإنما لأنهم حازوها بالقراءة المستمرة ، وبالتأمل والتفكّر ، وسؤال العارفين.

قيل: إن معاوية بن أبي سفيان (ر) سأل \"دغفل\" الذي يضرب فيه المثل في حفظ الأنساب – حينما التقى به – من أين لك هذا العلم ، علم الأنساب؟ فقال: بلسان سؤول, وقلب عقول , ولكن لكل علم: آفة ، وإضاعة ، ونكد ، واستجاعة؛
أما آفة العلم فالنسيان.
وإضاعته أن تحدث فيه من لا يفهمه.
ونكده التلفيق فيه.
واستجاعته في أن العاقل لا يشبع منه!

إن الذين يقدمون للبشرية كتبا زاخرة بفنون الأدب, ومؤلفات ملأى بألوان الحكمة، ورسائل طافحة بنظريات العلم، لا بد وأنهم إلى جانب جدهم واجتهادهم في القراءة والّتفاكر، والبحث والتحرّي قد عرفوا أصول الكتابة والتأليف ن وإلا لما حفظ التاريخ أعمالهم ، ولما ذاع في الخلائق ذكرهم وصيتهم.

لقد استوقفتني شخصية \"الخوارزمي\" وهو نابغة زمانه في الرياضيات والأدب كما جاء في \"تراث العرب العلمي – لطوقان\" لا لأنه مؤسس علم الجبر، ولا لأنه صاحب كتاب الجبر والمقابلة الذي هو من أعظم كتاب الرياضيات في التاريخ الإنساتني، ولكن لأنه وضع \"أصولا للكتابة والتأليف\"، ما أحوجنا اليوم إلى تبنيها إن أردنا أن نساهم في بناء الحضارة الإنسانية، والمشاركة في إحداث التغييرات النوعية للجنس البشري.

يقول \"الخوارزمي\" : إن العلماء يكتبون كتبهم، ويضعون مؤلفاتهم لغرض أو أكثر من الأغراض الثلاثة التالية:

1- استخراج ما لم يكن مستخرجا من قبل.
2- شرح ما كان مستغلقا مما أبقاه الأولون.
3- كشف الخلل في بعض الكتب ثم لم شعثه مع إحسان الظن في صاحبه.

يا لها من أصول رائعة، أتمنى أن يكون لكتابنا ومؤلفينا الحظ الأكبر والنصيب الأوفر منها.