[align=center].

.

.

.
.

نحو صياغة جديدة للسعادة !! *



من يعرف من أين تنبع السعادة ؟ وأين تصب ؟ وهل هي شيء واحد أم متعدد ؟ وهل يمكن القبض عليها متلبسةً

بشيء من المادة ؟ أم هي شيء وراء الطبيعة والمادة لا يمكن حيازتها؟ وإذا كانت شيئا (ما) وراء الطبيعة هل

هناك مظاهر يمكن أن تتجلّى فيها ؟ المال مثلا هل هو السعادة ؟ الصحة ؟ الأمن ؟ الأولاد ؟ المنصب ؟ الوطن ؟

الصلاة ؟ قطعة الحلوى ؟ الدراجة الهوائية ؟! حقيقةً هل يمكن أن يكون الإنسان سعيدا في أن يحصل على قطعة

حلوى لا تساوي ريالاً ؟! دعونا نصعد سويّا إلى طابق التفكير العلوي ...

السعادة هي شعور داخلي يتولد من محاولة القبض على مفهوم تعب الإنسان وجهد في صياغته.. أو ربما لم يتعب ..

ويزيد وينقص منسوب هذه السعادة كلما اعتقد الإنسان قربه أو بعده عن ذلك المفهوم .. وتلك الصياغة .. تماما

كالهدف الذي يغرسه صاحب البندقية ويحاول إصابته جاهداً فتتولد السعادة إذا أصابه .. ثم ينتقل إلى إقامة هدف

آخر واستهدافه .. ثم ثالث وهكذا .. وهذا يعني أن الإنسان يكون سعيدا عندما يصل إلى نقطة تمنى الوصول إليها

مسبقاً ..

فالسعادة ليست شيئاً محدداً بل تختلف باختلاف تفكير الإنسان .. لأنها باختصار .. تنبع من الداخل .. صياغةً

ومطاردةً وقابليةً .. فالطفل يرسم السعادة كقطعة حلوى .. ويشعر بالسعادة عندما يحصل عليها .. بينما الصبي

ينصب الدراجة الهوائية سعادة ثم يصوب بندقيته إليها .. وعندما يصيبها يقفز فرحا ويبالغ في سعادة سرعان ما

تذوب .. وإذا ناهز البلوغ اعتقد أن السعادة في امتلاك سيارة ومبلغا زهيداً من المال 500 ريال مثلا .. ثم تتضخم

أهدافه وسعادته كلما تدرّج صاعدا على سلم العمر .. فتكون الزوجة والوظيفة والمسكن هي السعادة فقط في

مرحلة ما من العمر .. ويلهث باحثا .. وبعد امتلاكها .. يعتقد أن عدد كذا من المال .. أو العقار ... أو الأولاد .. هي

السعادة .. والمريض يعتقد أن السعادة هي الصحة .. والمشرد يعتقدها في الوطن .. والعقيم في الأولاد .. والعازب

في الزواج ..

وهكذا .. فكل إنسان يصيغ السعادة وفق ألذ ما ينقصه .. وليس ألذ ما يملكه .. وهنا مكمن الخطأ .. وعند امتلاكها

يجهد في صياغة أخرى للسعادة .. ثم يلهث في مطاردتها .. حتى يصل إلى مرحلة من العمر .. يعي حينها أنه لا زال

ظمآن يجري خلف سراب بقيعة يحسبه ماء .. حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ..

إذاً .. أنت الذي تصنع السعادة .. وتقوم بصياغتها حسب نظرتك لذاتك وللعالم من حولك .. فالفقير الذي يعتقد أن

السعادة في مائدة تزدحم بما لذ وطالب يعاني من خلل في تعريف وتكييف وصياغة السعادة يعيش بسببه حياة

بائسة بينما يعيش ـ ربما ـ أخوه أو ابنه معه في نفس البيت في سعادة يفتقدها هذا .. نفس البيئة .. نفس

الإمكانات المتاحة .. ولكن السعادة نبعت من داخل الآخر ولم تنبع من داخل الأول .. يستطيع أن ينبئه عن هذا

الخلل .. جميع أطباء العالم الذي يقرنون ـ مثلا ـ بين زيادة الأكل وتصاعد معدلات الأمراض الفتاكة كالأورام الخبيثة

وتصلب الشرايين ونحو ذلك .. وفي المقابل هناك الفقير الذي يعتقد مثلا أن القليل من الطعام .. والرث من الثياب ..

والبسيط من المسكن .. مع العافية والأمن .. يوفر له السعادة ..

السعادة ليس شيئاً محدداً ثابتاً .. ولكن أسلوب الحصول عليها هو الشيء المحدد الثابت .. كما كان يقول رسول الله

ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من أصبح آمنا في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا

بحذافيرها " .. أنصحك في النهاية أن تقتنع بأن السعادة والري في الماء القليل الذي بين يديك .. دون أن تفتنك

بحار وأنهار السراب التي تتراقص أمام ناظريه على مسرح الحياة .. اقتنع بأنك سعيد بما آتاك الله تعش سعيداً ..

وما أحسن ما قاله أبو العباس ابن تيميه شيخ الإسلام : " إن في الدنيا جنّة من لم يدخلها لم يدخل جنّة الآخرة " ..

سمّ الله واخلع نعليك .. وحاول أن تدخل إلى تلك الجنّة .. حاول أن ترضى بما قسم الله لك .. وبما فرض عليك .. أن

تقتنع بأن تلك هي السعادة .. تكن أسعد الناس !!



* بقلم

التجوال الدولي قبل معركة البسوس .[/align]