الحرية مطلب الشرفاء ، وغاية العظماء ، فالأمجاد لا تبتنى ، والصروح لا تعتلى ، إلا بسواعد الأقوياء ، وبهمم الأحرار ، أولئك الذين أنفوا الضيم ، ورفضوا التبعية ، وركلوا الاستجداء .
ولا يلزم من العبودية أن يكون صاحبها عبداً يباع ويشترى ، كما لا يلزم من الحرية أن يكون صاحبها شريفاً في نسبه ، عريقاً في أصله ، فكم ممن يباع ويشترى ، أو هو ضعيف في أصله ونسبه ، إلا أنه يملك مقومات الحريات كلها .
وكم من أناس يظنون أنفسهم أحراراً لكنهم عبيد في مبادئهم وقيمهم ، وفي قراراتهم وتصرفاتهم .
وفي الآونة الأخيرة شهدت الساحة انفراجاً في عدد من القضايا ، منها موضوع الحرية ، وقول البعض (( هذه حريتي الشخصية )) أو قول البعض (( حريتي تبدأ حيث تنتهي حرية الآخرين )) حتى أصبح الحديث عن الحرية لا تكاد تخطؤه عيناك في جريدة أو مجلة أو كتاب أو منتدى ، ولا تكاد تخطؤه أذناك في حوار أو نقاش أو محاضرة .
وهنا فإنني أدلي بوجهة نظري التي أعتقد صحتها ، وأجزم بصوابها :
أقول / الحرية بمعناها العام هي : الانطلاق من القيود ، والتحرر من الأغلال ، وعدم الرضوخ للإملاءات أياً كان مصدرها .
والناس تجاه قبول الحرية أو رفضها ثلاثة أقسام :
1/ القسم الأول : من وقف من الحرية موقف الرافض ، فهو يشمئز قلبه ، ويحزن عندما يسمع إثارة هذا الموضوع ، ويرفض الحرية والاستقلال ، ويرضى بحياة الدون .
ولا شك أن رافض الحرية مرفوض جملة وتفصيلاً ، قوقع نفسه ، وهدم كيانه ، وأجر عقله ، وأعمى بصيرته ، وبالتالي بقي عبداً لغيره ، وسيبقى طريحاً لفراش العبودية .
2/ القسم الثاني : من فتح باب الحرية على مصراعيه ، يرى أنه حر في لباسه في كلامه في أكله وشربه ، حر فيما يسمع ويرى ، حر في كل شيء ، كلما حدثته عن أمر ، قال : أنا حر في تصرفاتي .
3/ القسم الثالث : وهو الموقف الصحيح :
أن الإنسان حر في سائر تصرفاته ، لكن حريته يجب أن تنتهي عند سقف معين ، فالمسلم تنتهي حريته عندما يريدها الله أن تنتهي ليكون عبداً لله تعالى ، والعبودية لله هي كمال التحرر من العبودية لكل أحد غير الله .
نعم أنت حر في جميع تصرفاتك ، افعل ما تشاء ، فإذا وصلت هذه الحرية إلى ما لا يريده الله فقف (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة )) وبالتالي فلا يحق لك إذا نصحك أحد بالصلاة أو بترك الغناء أو الدخان أن تقول هذه حريتي الشخصية ، لأن هذه الحرية حرية ممقوتة ، بل هي عبودية للشيطان والهوى .
وأخيراً : فلا يجوز أن يتخذ من الحرية معبراً للشهوات المحرمة ، وتملصاً من الدين ، وثورة على الأخلاق والقيم ، والمبادئ والمثل .