بسم الله الرحمن الرحيم
إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أُشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة المباركة، هذه الأمة التي ستبقى -بإذن الله- نابضة بالحياة، محدِّقة ببصرها إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تمزق فيها أغلالها، وهي آتية بإذن الله، لا محالة.
إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من جديد، وكم تعجبت من قصة عجوز من بني إسرائيل، أبت إلاّ أن تكون مع نبي الله موسى -عليه السلام- في الجنة، في موقف ناهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه النماذج، وما أحوج الأمة إلى أمثالها!!
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابياً، فأكرمه فقال له: "ائتنا" فأتاه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سلْ حاجتك"، فقال: ناقة تركُبها، واعنُزاً يحلبها أهلي.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: "إن موسى لَّما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا طريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموتُ أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى تُنقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُليني على قبر يوسف، قال: حتى تُعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكونُ معك في الجنة.
فكره (موسى) أن يُعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها؟ فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: انضِبُوا هذا الماء، قالت: احتفِروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلُّوها إلى الأرض، إذا الطريق مثل ضوءِ النهار" (حديث حسن رواه أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم).
شتان ما بين همة وطموح وسمو هذه المرأة على الرغم من كبر سنها، وبين همة وطموح ذلك الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق فرسٌ، فطفق يكبر ويثب من الفرح، فقال له من يجانبه: أهذا الفرس فرسك؟ قال الأعرابي: لا، ولكن اللجام لي!!
إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن تبني أمة، أو تصنع حضارة، أو تُحدث تأثيراً، وصدق صالح بن عبد القدوس حينما قال:
إذا أنت لا تُرجى لدفع مُلِمَّةٍ ** ولم يكُ للمعروف عندك موضعُ
ولا أنت ذو جاهٍ يُعاشُ بجاهه **ولا أنت يوم البعث للناس تشفعُ
فعيشك في الدنيا وموتك واحد ** وعُودُ خلالٍ منْ حياتك أنفعُ
لقد تأملت كثيراً في واقع هذه الأمة، وآلمني ما آل إليه أمرها، كما تأملت في كتاب الله وفي سنة رسوله، وفي تاريخ المسلمين فأيقنت أن ثمة خللاً أودى بهذه الأمة، وأن أمتنا قوية بقوة الله ثم بقوة المنهج الرباني وما فيه من حق وصلاح، وأن نهوضها من جديد أمر ممكن -بإذن الله تعالى
مواقع النشر (المفضلة)