



-
عضو متميز جدا
[ أشواك ] لـ / سيد قطب ..! (( رواية نادرة ))
[align=center]
.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
.
:
.
.. كما هي بقلم صاحبها .. [/align]
.
:
.
بعد لأي من حلم .. وبعد تدثّرٍ بقنوط ... أطلّت عليّ من ضفاف النيل ... أقحمت نبضها في أجوائي .. فإذا هي تتراقصُ في داخلي أملاًً وقلقاً وأرقاً .. خشية أن لا تكون لي .. أنا مَن ألوّح لها بين زحام الراغبين بها أيضاً ..!
قطعتُ عهداً بيني وبين نفسي قبل أن يكون العهد بيني وبين من أعرفهم .. - وقد أصابهم التوق لها بقدر الذي قد كان لي - : إن أنا حصلتُ عليها فلأنشرنّها على الملأ ولا أبخلنّ بها .. على من أراد أن يتفيأ أو أراد لذيذاً .. !
وكنتُ بذلك العهد كمن يبذر في تربة الخصبة .! ليحصدَ أملاً ..!
كل ذلك ولم أكن قد قرأتها بعد ... بيد أن الشأن شأن أدبي .. والقلم قلم .. أفلا أضمن الرهان بهذا ؟
أخالكم تقولون : بلى.. وربي
دعوت الله كثيراً أن تكون لي ..... وبفضل الله كانت .!
كانت لي أخيراً .. وسط دهشة عارمة اجتاحتني .. إذ لم أكن من أثرى الملوّحين لها .. وإن علمت من نفسي التحدي : لأدفعنّ فيها المبلغ الذي كانت ستقف عنده .. مهما كلفني ذلك .. !
لن أطيل عليكم الأمد ... ولن أستعرض كل التفاصيل ..
وليكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ..!
أردت فقط أن أقول بأنني بحثتُ عن موقع ملائم يليق بها .. فلم أجد إلا هذا الموقع الرائع - كما تطيب لي تسميته - ...!
فشكراً لمن هيأ هكذا أجواء .. وأفرد هكذا مساحة ..!
لحظة .. لدي مفاجأة :

.. إن ذلك ليؤكد أنني أحتكم على كنز ثمين : فقولوا ماشاء الله ...
.
:
.
-
عضو متميز جدا
[align=center]
..بطاقة تعريفية مختصرة عن الكتاب ..
عنوان الرواية : أشواك
المؤلف : سيد قطـب
دار النشر : دار سعد
* لم تُطبع إلا مرة واحده فقط عام 1947 .. تحوي 148 صفحة .. مقسمة إلى ثلاثة عشر فصلا .. وذات حجم متوسّط .
رجاء : بعدم إضافة أي تعقيب من قبل الأعضاء .. حفظاً لترتيب الرواية وجمعاً لذهن القاريء .. فضلاً أيها الأكارم .. وسأحاول استطاعتي بإضافتها كاملة - إن شاء الله تعالى -
.
.[/align]
-
عضو متميز جدا
[align=center].. الغلاف ..

.
:
.[/align]
-
عضو متميز جدا
[align=center]
.
:
.
إهداء :
إلى التي سـارت معي في الأشواك ، فدميت ودميَت ،
وشقيتُ وشقيَت . ثمّ سـارت في طريق وسرتُ في طريق :
جريحين بعد المعركة . لا نفسها إلى قرار . ولا نفسي إلى
استقرار . . .
.. سيد قطب..
.
:
.
[/align]
-
عضو متميز جدا
[ 1 ]
.
[align=center].
:
.
.. أشواكـ ..[/align]
حينما أمسك بيدها ليلبسها خاتم الخطوبة ، في حفل من الأهل والأصدقــاء ، وفي ضوء الأنوار الساطعة ، وعلى أنغام الموسيقى في الحجرة المجاورة ... أحس بيدها ترتعش متقلّصة في يده ، ونظر فإذا دمعة تند من عينيها .
شعرَ بشوكة حادة تنغرز في فؤاده ، وغامت الدنيا في عينيه ، وتوقّع شراً غامضاً يوشك أن ينقضّ ، بل شعر بالكارثة تظلله ، وتغشى حياته . ولكنه تماسك ، وأسرع يدعوها إلى المقصف المعد في مكان آخر ، غير ملتفت لدعوة المدعوين !
وهنـاك – قبل أن يحضر أحد – نظرَ في عينيها المغرورقتين ، فإذا هي تحاول بشدّة أن تبتسم ، وتحاول أن تبدو خفيفة رشيقة كعهدها في غالب الأحيان .
أمسك بيديها بين يديه ، وحدق في وجهها ، وهو يقول :
= ماذا ؟
قالت :
= لا شيء !
قال :
= بل هناك أشياء .. ويجب أن أعلم هذه الأشياء .
قالت :
= أوه ! قلت لا شيء . ثم اسكت لقد بدأوا يحضرون !
قال :
= أسكت .. على أن تعديني بكل شيء بعد انصرافهم
قالت :
= وهو كذلك !
وكانوا قد أقبلوا يتغامزون ، فسحبت يدها من يده ، متظاهرة بالدلال والخفة ، كأنما كانا يتناجيان ويتعابثان في غفلة من عيون الرقباء .
***
قالت في لهجة مناورة :
= ولماذا تصر على أن هناك شيئاً ؟ ألا تتأثر الفتاة ، وهي تقف في مفترق الطريق بين عهدين ؟
قال في لهجة جادة :
= اسمعي يا سميرة ، إنني أعرفك جيداً ، ولم تعد خافية منك تخفى عليّ ، ولقد لاحظت تلك النوبات التي تفجؤك وأنت معي في أبهج اللحظات ، وهي علامة لا تخطيء على أن هناك شيئاً . ثم إنني أحبك ذلك الحب الذي تعرفينه ، وإن بين قلبي وقلبك تلك " الشيفرة " الخفية ، التي تجعل لكل دقة في فؤادك صداها القوي في فؤادي ، فلا تحاولي أن تغالطيني أو تغالطي نفسك ،بعد اليوم .
فارقتها ابتسامتها ، وخذلها تماسكها ، وغامت على وجهها سحابة من الأسى ، وقالت في صوتٍ غائر كأنما ينبعثُ من أعماق هاوية :
= أعلم أنك تحبني فوق مقدور الإنسان ، وهذا ما يعذب ضميري .
ثم سكتت سكته رهيبة فتناول يدها في صمت ، وهو يحس هول العاصفة تجتاح نفسها فتحطمها وتوشك أن تجتاح حياتهما جميعاً ، وحدّق بشدة في عينيها ونظر إليها مستزيداً !
قالت :
= اغفر لي أن أقول لك كل شيء . إنني أثق بك ثقة عميقة ، وأشعر بمقدار حبك لي ، ولو فتشت في قلبي لوجدت لك مثل هذا الشعور فيه . ولكن هنالك في ضميري أشواكاً سأضع عليها يدك ، وأترك لك التصرف فيها كما تريد ...
قال :
= قولي كل شيء ولا تخـافي !
قالت :
= لقد عزمت أن أقول ....................
***
....... في نهاية قصتها كانت تقول ، وهي تهتز وتختلج : (( وهذه الدمعة التي رأيتها لم يكن منها بد . كنتُ أشيّع بها عهداً عزيزاً . كان اللحن الموسيقي من حولي هو لحن الجنازة ، أشيع به نعشه للمرة الأخيرة ..... والآن لقد انتهى ............. )) !
وحينما بلغت القصة إلى هذا الحد كان قد اعتزم في نفسه أمراً ، لا يدري كيف اعتزمه ، ولا بأي شعور اتجه إليه . كان الفارق بينه وبين فتاته عشر سنوات ، ولكنه أحس في هذه اللحظات القصار أنه يشيخ . وكان يحبها حبا عنيفاً مجنونا ، ولكنه أحس في هذه اللحظات القصار أنه يحبها حبا سماويا شفيفاً . وكان شديد الغيرة متوفز الإحساس . ولكنه أحس في هذه اللحظات القصـار أنه فوق العواطف البشرية ، وفوق غرائز الإنسان .
قال في صـوت خفيض رتيب رهيب :
= يا بنيتي . إنني أعطف عليكما ، فاعتمدي علي وسأساعدكمـا !
قالت في دهشة :
= تساعدنا ؟ وكيف ؟
قال في توكيد :
= ستكونين له !
قالت في ذعر :
= وأنت ؟
قال :
= سأكون لك منذ اليوم أخا وصديقاً !
قالت :
= وتضحي حبك لي كله ، وماضيك معي كله ، وجهدك من أجلي كله ؟
قال :
= نعم أضحيه . ولا زلت على استعداد لغيره من التضحيات . أضحيه وأنا أعلم أنني ضحيت بالحياة !
قالت مبهورة :
= يا الله : إنك نبيل . بل أنت أنبل من إنسان .....
وحينما آوى إلى فراشه ! انجلى عنه هذا الخُـمار المريح ، وتنبّهت أعصـابه ، وواجه كأنما هوّة تنفتح بين قدميه ، وفجوة تفصـل شطري حياته ، ومدى من العمر لا يقاس بالآباد !
لقد بنى في أحلامه عشهما المنتظر ، ولقد مضى بخياله يطوي الأيام ، ولقد عاش هذه الأحلام عيشة الواقع ، واستغرق في هذا الخيال ، حتى لم يعد يفرق بينه وبين الحقيقة !
فأين هو الآن من هذه الأحلام ؟
لقد أحسّ بالطعنة ، وعرف انه فقد الحلم القديم : حلم الحورية الهاربة التي سيقودها مغمضة العينين إلى العش المسحور . بعد أن عاش في هذا الحلم عامين كاملين ، وبعد أن سحر بها منذ اللقاء الأول ، وأعدّ نفسه وأحاسيسه كلها لارتقاب اليوم الموعود .
وجد نفسهُ يبكي ..
ثم أدركته رحمة الله فنـــــــام .
.
.
:
.
.
-
عضو متميز جدا
[ 2 ]
[align=center]
.
:
.
.[/align]
[align=center].. وكان الصبـاح .. [/align]
وصل إلى مكتبهِ في الصباح – ولا يدري كيف وصل – ، لم يلق باله في هذا اليوم إلى شيء في الطريق . تم كل شيء كما تتم الحركة الآلية .
وكان يبدو على مظهره السكون والاستسلام والانقياد ، لم يكن له رأي ولا هدف ولا اتجاه . صحا فذهب إلى مرافق المياه ، ولبس ملابسه في صمت ، وانطلق إلى الطريق فركب القطار ، وجلس في مقعده ، ووصل إلى الديوان ..!
وقال أحد زملائه في المكتب :
= خير إن شاء الله . مالك يا فلان ؟
فافترت شفتاه عن ابتسامة مغتصبة ذابلة وقال :
= خير ! لاشيء ! أترى شيئاً ؟
قال زميله :
= ألمح عليك الإجهاد . لا بد أنك كنت سهران !
قال :
= أي والله ! كنتُ سهران !
ثم انصرف الزملاء إلى أحاديثهم اليومية التافهة ، وانصرف هو إلى نفسه ، لا يحاول حتى أن يتكلف فيتجمل أمام الزملاء .
كان لا يحس بأي أحد ، بل لم يكن يحس بالمكان !
ودق جرس التليفون . فإذا بالموظف القريب يناديه . وصحا فجأة فاختل توازنه ، وهو يلبي النداء وأمسك بالسماعة ، وفي يده بقية من اضطراب .
قال : آلـو ...!
قالت :
= آلو . أنت سامي ؟
قال ولم يدرك بعد شيئاً :
= نعم يا سيدتي !
قالت في لهجة مرحة مستخفّة :
= أتعرف من التي تكلمك ؟
ولم يكن يدري صوتها في التليفون ، ولكنه وجد في نفسه بعض الانتعاش على كل حال .
قال :
= لا . من أنت ؟
قالت :
= سميرة !
نسي أنه في الحجرة بين زملائه . وأحس بالوحدة والانفراد ، بل غابت عنه معالم المكان والزمان ! وارتجفت كل ذرة في كيانه وحاول أن يقول أشياء كثيرة لا يدريها ، فاضطربت في دمه الكلمات . وأخيراً فتح الله عليه بجملة تافهة بعد مضي لحظات :
= صحيح ؟ أنت سميرة !
قالت وقد جلجل صوتها بضحكة عذبة ، نفذت إلى ذرات جسمه وحناياه :
= والله أنا ! ألا تصدق ؟
قال وقد استردّ شيئاً من إرادته ونفسه :
= إن صوتك رائع في التليفون !
قالت مشرقة مبتهجة :
= صحيح ؟
قال :
= والله !
وخاف ألا يجد ألفاظاً ، وألا يهتدي إلى موضوع يطيل به الحديث ، فقال :
= وأين أنتِ الآن ؟
قالت :
= أتكلم من صيدلية في العتبة .
فاستمر في هذا الحديث التافه الذي هو أبعد ما يكون عما يريد أن يقول :
= وإلى متى ستمكثين هناك ؟!
قالت :
= إنني عائدة إلى البيت الآن .
وأغلق عليه الحديث . فصمت لحظة . وبحث عن موضوع جديد ، أو عن طريقة لإنهاء المحادثة ، فلم يفتح الله عليه بشيء . فما أنقذه إلا صوتها هي ، تراجع الحديث :
= .... وستأتي الليلة ؟!
قال في توكيد ظاهر :
= طبعاً ! متى يحسن أن أجيء ؟
قالت :
= في أي وقت . ولكن حـذار ألا تأتي !
قال في نشوة وخفة :
= لا آتي ؟ وكيف ؟ سأكون عندكم في الساعة الخامسة .
وفي هذه اللحظة تنبه إلى أنه بين زملائه . فأراد في محاولة ساذجة أن يبعد عن نفسه الريب ، وعنها هي أولا! وإن لم يعلم أحد من تكون ! قال :
= أخبري (( بابا )) أنني سأحضر في هذه الساعة !
قالت :
= هو بطبيعته يكون موجوداً ... سعيدة !
قال :
= سعيدة .. إلى اللقــاء .
***
ووضع السماعة ، وهو في نشوة حقيقية كالتي يحدثها الشراب . كان يحس أن وجهه يلتهب وأنفاسه تفور ! وكان يحس أن كيانه يختلج ، وأنه لو سار لتلجلجت خطاه .
وقال زميله الذي لقيه في الصباح :
= يبدو أنها محادثة سارة . لقد أشرق محياك !
قال وهو يتلعثم ويضحك ويضبط شفتيه في آن :
= نعم ( وبلا سابق إنذار ) .... إنها خطيبتي !
وأثار هذا التصريح عاصفة بين الزملاء : قال أحدهم : مبروك ! . وقال الآخر : لم تدعنـا إلى الحفلة ! . وقال الثالث : ولا أخذنا (( الملبس )) ! وقال أحدهم : والله وقعت يا أخانا في النهاية ، وجاءت رجلك ! . فرد عليه زميله : اسكت .. المهم أن لا تفوتنا الحفلة الثانية ولا (( الملبّس )) !
ووجد نفسه يقول في دعابة وبشر وانطلاق :
= اطمئنوا .. فلن يفوتكم شيء إن شاء الله .
وكانت هذه الفترة وتلك الضجة ، كفيلتين باسترجاع اتزانه . فتحرك يغادر الحجرة لا يدري إلى أي اتجاه . ولكنه يسير بخطوات سريعة قافزة نشيطة ، يقطع المشي الطويل أمام الحجر حيث لا يتبيّن له قصـدا ، فيرتد يقطعه كرة أخرى !
***
وثقلت عليه ساعات الديوان – وإن كان غير مقيد بالمواعيد – فظل يغالب رغبته في الخروج – وإن كان لا يدري إلى أين يخرج – حتى بقى على الموعد الرسمي ثلاثة أرباع الساعة . وهنا أفتت منه أعصابه ، واستعصى عليه البقاء . فخرج إلى الفضــاء !
وحينما وجد نفسه خارج الديوان ، واجهته مشكلة الاتجاه : أين يذهب الآن ؟ إلى منزله ليتناول الغداء ، ثم يعود في الميعاد !
وسار بضع خطوات ، ولكن جـاذبا قويا كان في نفسه يشده عن المسير ، فعاد أدراجه حتى وقف أمام الديوان ...
ولم لا يتغدى في المدينة ، ويستريح في مقهى ، حتى يأتي الميعاد ؟
واندفع في هذا الاتجاه .. وشعر بأنه استراح إليه ! إنه هنا في المدينة يكون قريباً من الدار !
وأحس انه سعيد .. وغابت عن حسه الأشواك . وسـار في خطوات خفيفة ، مشرق النفس ، نشيط الجسم ، مفتح الحواس .
وفي مطعم يعتاده حين يتخلف في القاهرة ، تناول غداءه بنهم ، وإن لم يشعر بما يذوق . ثم انتقل إلى مشرب هـاديء يستريح إلى هدوئه . وجلس يرتقب الميعاد .
ولكن الساعة لا تزال الثالثة . وأمامه ساعتان طويلتان . فأين ينفق ذلك الوقت الطويل ؟ وثقل عليه الزمن – كما ثقل عليه الطعام – وفارقه نشاطه وخفته ، وبدأ يجثم على صدره نوع من الكآبة تسرب إلى نفسه من حيث لا يدري . وفي هذا الجو الذي استحال كامداً بعد فترة ، أخذت تتوارد على خواطره صور الأمس القريب : يداها وهي ترتعش في يده ، ودمعتها تندّ من عينيها ، وخلوتها بعد انصراف المدعوين ، واعترافها له بالأشواك ، فيشعر بهوة عميقة تفصل بينه وبينها . وهنا يحس بيد تقبض أعصابه وتضغطها ، فينتفض كمن يريد الخلاص .
ويثقل عليه جو المكان وهدوؤه ، والظلال التي تبعثها الأنوار الملونة المضاءة نهاراً في الركن الذي آوى إليه ، ويحس انه يلتقط أنفاسه بصعوبة ، فينتفض واقفاً كما يفاجأ بخطر ، ويتناول أوراقه وجرائده ، ثم ينطلق مسرعا إلى الشارع ، كالذي يفر من شيء مخيف ! ثم يسير في الطريق خطوات سريعة بعض الشيء ، ثم يهديء سرعته قليلاً ، وهو يتطلع إلى بعض واجهات المتاجر الزجاجية في غير انتباه .
وفجأة يقف أمام دكانة روائح عطرية ، ويتفحص الزجاجات الأنيقة ، فتعجبه إحداها . وفجأة تهتف به خواطره بأن يختار واحدة منها هدية ، فيدب في كيانه النشاط المرح ، وتنجلي عنه الغمرة الثقيلة ، ويشعر في جسده بالخفة والانتعاش .
ولم يطل لحديث بينه وبين البائع . فقد اختار زجاجة على هيئة قلب ، من عطر فرنسي قديم التعبئة ( كما كتب على الزجاجة ) ونقده الثمن المرتفع بعض الشيء ، وأخذها في علبتها الأنيقة وخرج ....
خرج فرحان كالطفل باللعبة الجديدة . وسار وفي يده الزجاجة يمسكها بحرص واحتراس . واندفعت خطواتته مرحه نشيطة قافزة . ولكن إلى غير اتجاه ...
كان سائراً في الشارع وهو نشوان ، فكان كالمفاجأة له أن ينظر فيرى الترام الذي يركبه إلى هناك ، وكاد يقفز لولا أنه استيقظ إلى أن الموعد بعيد . فترك الترام يمضي وفي نفسه شوق ملهوف !
***
وبعد خطوات وجد مقهى مطروقاً ، ووجد نفسه يجلس إلى مقعد فيه ، كالذي طال عليه السرى فألقى بجسمه ليستريح . وطلب شايا ، فأحس بعد تناوله بالنشاط واليقظة .. ونظر ساعته فإذا هي الرابعة إلا ربعاً . بقيت ساعة وربع .. والطريق لا يستغرق أكثر من نصف ساعة . واستثقل الزمن الباقي . فقام يمشي .
وفي هذه المرة لم يستطع أن يغالب جاذبية الترام حينما جاء مرة أخرى ، فقفز في وسط المحطتين ، وآوى إلى مقاعد الدرجة الأولى الخالية . لقد كان يحس دائما وهو ذاهب إلى هناك أنه أعز من أن يندس في غمار الجماهير !
وعندما كان في محطة المنزل كانت الساعة بالضبط الرابعة والربع . وكان يحرص على أن يبدو هادئاً مضبوطاً في تصرفاته وأقواله . يداري بهذا المظهر ما يضطرب في نفسه من نوازع وهواتف واندفاعات ، فعز عليه أن يخلف ميعاده ، وأن يزعجهم قبل الميعاد ، فراح يتمشى !
وكان قريبا من المنزل فضاء فسيح ، يحمل له في نفسه بعض الذكريات . لقد كان يسكن هنا قبل عشرة اعوام ، وكان يومها فتى يافعا ، كان هذا الفضاء الفسيح يعجبه فيجول فيه ، حيث يخلو إلى الهواء والفضاء ... والشعر في بعض الأحيان !
راح ينقل خطوه في هذا الفضاء ويجوس خلاله ، وخلال الذكريات التي استطاعت أن تطغى على الحاضر بكل ما فيه .
وحينما انتبه . وجد الساعة الخامسة إلا دقائق معدودات . فأبهجه هذا ونشطه ، وانطلق يغذ السير ويسرع الخطوات في اتجاه الدار !
.
.
.
.
التعديل الأخير تم بواسطة الدب الداشر ; 05 Apr 2006 الساعة 07:54 AM
-
عضو متميز جدا
موضوع يبيله فصلة خط على قولة رفحاوي
يعطيك العااافيه خيو
ramekoo@hotmail.com

-
عضو متميز جدا
حجي ليث ..
حياك الله
وانا نسيت لا اكتب الإهداء .. والله أني كتب ابي اكتبه لواحد بالمنتدى يحب السيد قطب .. بس اني نسيت وراااح عن بالي .. والحين ما يوفي اهدااء ..
المهم
حياك الله واذا خلصت القراااءة عطني راايك
-
[align=center]إن كلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء
سيدقطب[/align]
جزاك الله خير أخوي الدب الداشر
مع العلم أن هذه الرواية كتبت قبل أن يتحول سيد قطب إلى أن يكون مفكر إسلامي
إضافة حول الشبه التي قيلت في حق السيد قطب ( وحدة الوجود)
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في لقاء مع مجلة المجتمع
(إن قول سيد قطب في تفسير سورة الإخلاص وأول سورة الحديد (هو عين القائلين بوحدة الوجود.. كل ما تراه بعينك فهو الله ، وهذه المخلوقات التي يسميها أهل الظاهر مخلوقات ليست شيئا غير الله.. وعلى هذا تأتي بعض الروايات التي تفصل هذه الضلالات الكبرى بما يرى من بعض الصوفيين القدماء من كان يقول (سبحاني ما أعظم شأني) والآخر الذي يقول (ما في الجبة إلا الله)... هذا الكلام كله في هذين الموطنين من التفسير)(
وقد رد الدكتور عبدالله عزام رحمه الله وتقبله من الشهداء على كلام الشيخ الألباني في رد طويل ومما جاء فيه
ولقد حز في النفوس أن ينسب هذا الكلام (القول بوحدة الوجود) إلى الأستاذ سيد الذي جلى حقيقة التوحيد من كل غبش ، بل ركز معظم كتاباته على شرح معنى (لا إله الآ الله) ونقل المعنى النظري للتوحيد إلى واقع حي متمثل في سلوك وحركات ، ودماء وتضحيات ، ولقد كانت حياته المليئة بصور الإعتزاز بالله ، والتوكل عليه والإلتجاء إليه خير شاهد على أن توحيد الربوبية (التوحيد العملي والنظري في القلب والنفس) (توحيد المعرفة والإثبات) قد جمع معه توحيد الألوهية (التوحيد العملي بالفعل) في واقع الحياة مشاعر وشعائر وكلمات ومواقف ، حتى غدا المؤمن بهذا التوحيد كالشم الرواسي لا يزعزعه قوى الأرض ، ولا يهزه جبروت الطغيان.
وحسبك منه تلك الكلمات التي كانت تنبثق من أعماقه معبرة عن استقرار التوحيد في طياته ، (تسمعه وهم يعرضون عليه الوزارة وهو رهين القيود يقول: (إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة لترفض أن تكتب حرفا تقر به حكم طاغية). انتهى
نسأل الله أن يغفر لنا ولهم ويعفو عنا وعنهم
:
التعديل الأخير تم بواسطة القنديل ; 07 Apr 2006 الساعة 01:58 AM
-
07 Apr 2006, 08:17 AM
#10
عضو متميز جدا
وأيااك أجزى ,,
اخي القنديل شكراً لإضافتك .. شكراُ جداً ..
-
10 Apr 2006, 01:21 AM
#11
عضو جديد
كلمات سيد قطب ليست كباقي الكلمات ولامثيل لها في كل اللغات لها وقع في النفس كأنما تنبض بالحياة ..!!
لأول مرة أقرأ هذه الرواية لكني لم أستطع إكمالها بالرغم من أن أسلوبها آسر وخلاب .. وذلك لأني احترمت تخلي "سيد قطب" عنها في أواخر حياته هي ومجموعة من القصص ( طفل في القرية , المدينة المسحورة , الأطياف الأربعة ) وكذلك تخلى عن دواوينه الشعرية ( الشاطئ المجهول , حلم الفجر , قافلة الرقيق ) وأعلن ذلك في كتابه " في ظلال القرآن " ورأى بأنها لاتُصور فكره الذي اهتدى له حين انضم إلى جماعة الأخوان المسلمين..
مع خالص مودتي واحترامي ..,,
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)