بعضهم رشح نفسه من أجل الصورة ووهم الشهرة... وبعضهم من أجل أن يقول الناس فلان قد ترشح... وبعضهم رشح نفسه عشقا لمخططات ومنح البلدية... وقليلون من رشحوا أنفسهم من أجل الإنجاز وخدمة المجتمع... وفي الكل دخلت القبلية والأدلجة... دخل التصنيف والتزكية... ولذلك انقسم الناخبون في بلادنا إلى قسمين رئيسين مع بعض الحواشي: قسم ذهب لينتخب الأيديولوجيا... وقسم ذهب استجابة لمطالب - أو بالأحرى أوامر - شيخ القبيلة... لم يفهم البعض أن الانتخابات هي صرخة حضارية تعني أن يختار الناس القادر على خدمتهم وإيصال صوتهم... بغض النظر عن شكله الخارجي وانتمائه القبلي... فذهبوا لمن (يُدسمهم) ويكرمهم أكثر... اختاروا (المُفطح) الأفضل وليس البرنامج الأفضل... اختاروا القبيلة بكل أبعادها وتفاصيلها وطقوسها... أما البرامج الانتخابية فتبدأ بمحاضرة وتنتهي بتوزيع شريط... وما بينهما بوفيه مفتوح... وعبارة واحدة على كل صورة مُرشح تقول: (خير الناس أنفعهم للناس)... ووعود لا يستطيع تحقيقها وزير... لكن عزاءنا الوحيد أن هذه هي الانتخابات الأولى... والخطوة الأولى... والفرحة الأولى... وفي البدايات تغتفر الخطايا... اليوم أخذنا الدرس الأول... وغدا لا بد أن نستفيد... وأن يعرف الناخب والمرشح أدوارهما وحدودهما... فالمرشح الذي لا يعرف الفرق بين قائمة (المقاضي) المنزلية وقائمة الانتخاب لا يصح أن يعد الناس بلبن العصفور... والناخب الذي انتخب المظهر بدلا من الجوهر يجب أن يصحح معلوماته عن الناس والحياة... والقبيلة التي احتشدت خلف (ولدها) عليها أن تتخلص فورا من ثقافتها الخاطئة... وأن تثق في أبناء الناس كما تثق في أبنائها... اليوم انتصرت ثقافة القبيلة السائدة... وثقافة التزكية والاحتشاد... لكننا كتبنا السطر الأول في كتاب الأمل والرقي والنهضة الشاملة... وأخذ الجميع دورة رائعة في فن الاختيار والتواصل الحر... من خلالها اتضح المناخ الثقافي في بلادنا الذي هو بحاجة لأن يصحح ويرتب من جديد وعلى ضوء متطلبات ومفاهيم العصر... وبقي الغائب الأبرز في العملية الانتخابية هو المثقف الذي لم يُحسن عرض نفسه وأفكاره فتوارى يائسا كما هي عادته... مرجعا كل فشل يصادفه إلى سوء المجتمع وعدم فهمه للروح الثقافية القلقة المنطلقة...