



-
مهندس الكلمة
( انّ هذان لساحران ) بين الفقهاء والنحاة
تحيات طيّبات عليكم جميعا
قبل يومين تحدث سريعا عن النحت في اللغة وعن اهميّته في عملية الأشتقاق والذي دفعني الى ذلك هو حرف ( ان ) المخفّف منه والمضعّف ايضا , والأن سأتكلم عن ذات الحرف ولكن في امر جعل الفقهاء والنحاة في حيرة وبلبلة , وكان هذا الألتباس في تأويله دافعا لمهاجمة الأسلام وكتابه المنزل كما فعل من في قلوبهم مرض .
موضع الخلاف والجدل كان حول بعض من سورة طه الأية ( 63) في قوله تعالى ( ان هذان لساحران ) . فأنّ ( المشدّدة ) سواء بكسر الهمزة او فتحها من الحروف التي تنصب الأسماء وترفع الأخبار , امّا اذا خفّفناهما , اي رفعنا التشديد عن النون فستدخل على الأفعال في الغالب , مثلما رأينا في المرّة السابقة عندما دخلت على الفعل ( شاء ) في ان شاء وهنا تؤدي عمل ( اذا ) كما في قوله تعالى ( لا تتّخذوا اباءكم واخوانكم اولياء ان استحبّوا ) وكسرت النون لألتقاء الساكنين , اي بمعنى اذا احبّوا .
ومن هنا نشأ الخلاف , كيف لم تنصب ( انّ ) المشدّدة اسم الأشارة للمثنّى القريب ( هذان ) ؟ اي ان الآية يجب ان تكون ( انّ هذين لساحران ) .
وهنا سأحاول الأختزال قدر الأمكان وسأكتفي بالقليل من الشواهد , فأستميحكم العذر , وان طلب احدكم ان استفيض واثبت الشواهد كاملة ومختلف تخريجات النحاة والفقهاء للنص ّ فسأفعل عن طيب خاطر ونفس .حتّى وان كان ذلك في رسالة خاصّة .
قبل كل شيء يجب علينا ان نعرف امرين اثنين. اوّلهما انّ النصّ القرآني الكريم نزل وتواتر نزوله واكمل الله دينه به قبل ان ينشأ النحو العربي ومدارسه وتياراته بزمن طويل , بل ان النحو العربي استضاء بالنصّ القرآني وحاول ان يتمثّله قياسا وسماعا بشواهده المعروفة في كتب النحاة . فأذا لم تنطبق قاعدة نحوية موضوعة على نصّ منزل , فهذا لا يعني ان نلوي عنق النصّ لنرضي القاعدة والعلّة النحوية .
وثانيهما , محاولة التعرّف على اللغة’ في عصر صدر الأسلام , هل كانت اللغة العربية معربة ؟ اي هل كانت تنطق كما ننطق النًص الذي يخضع لعلامات الأعراب من الرفع والنصب والجرّ ( الخفض ) وظهور علامات الجمع والتثنية والأفراد وسواها ؟ وما هو مدى تأثير لهجات القبائل المختلفة على المستوى الصوتي قبل عصر التدوين الذي حاول ان يختزل اللهجات بألألتجاء الى لسان قريش ؟ وهذا مبحث وعر الأ لذوي الأختصاص وسأحاول تجنيبكم ايّاه والأكتفاء ببعض الشواهد و نتيجة المبحث .
ففي كتاب ( كنز العمال ) الصفحة 151 المجلد الأول وكتاب ( المزهر ) الصفحة 246 المجلد الثاني مرويات عن النبي الأكرم وبعض صحابته رضوان الله عليهم تؤكد ان اللغة كانت تعرب ولا يجد اللحن ( اي الخطأ ) طريقه الى السنتهم ,وان كان هناك من الصحابة من يلحن احيانا , فلقد روي عن النبي ( ص ) انه سمع رجلا يلحن في القرآن فقال : ارشدوا أخاكم .
وفي كتاب ( ارشاد الأريب ) المجلّد الأول الصفحة 20 ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يؤدب اولاده بسبب اللحن .
وفي رواية اخرى انه حرّم على عبد الله بن مسعود ان يدخل خصائص لسانه الهذلي في متن القرآن بعد ان سمعه يقرأ من آية في سورة يوسف ( عتّى حين ) بدلا من ( حتّى حين ) , وهذه الرواية مذكورة في كتاب المحتسب لأبن جني وكتاب كنز العمال المجلد الأول ص 284 .
سأكتفي بهذه الروايات , لكي انقض اراء بعض من المستشرقين الذين حاولوا ان يثبتوا ان القرآن لم يكن معربا , واحيانا ان من يقرأوون القرآن لم يكونوا ليعربوه , وآمل ان اكون قد ابنت بطلان وفساد هذا الرأي .
لقد سقت هذه المقدمات ليكون في وسعنا ان نستضيء بها للوصول الى النتائج التي اوردها فقهاؤنا ونحاتنا رضي الله عنهم في شأن تعليلهم للآية 63 من سورة طه ( انّ هذان لساحران ) .
ففي كتاب ( المخصّص ) لأبن سيده حاول البرهنة على ان ( انّ ) حرف تأكيد وذهب بعضهم انّها اتت هنا بمعنى ( نعم ) وهذان مرفوعة بالأبتداء اي انها ( مبتدأ ) وجب رفعه بعد زوال علّة النصب ,
وروي عن عاصم انّه قرأ ( ان هذان لساحران ) اي بتخفيف ( ان ) لا بتشديدها , وفي هذا الموضع لا تكون ان المخففة عاملة .
وروي ابو عبيدة عن عمر بن الخطاب انه قال : انها لغة لكنانة . اي انّ في لسان كنانة لاتعمل ال ( انّ ) المشددة في نصب المبتدأ بل يجعلون الف الأثنين في النصب والرفع والجر . وروي اهل الكوفة انها لغة لبني الحارث ابن كعب .
هذه هي اهم الروايات في تعليل رفع (هذان ) رغم دخول انّ المشدّدة عليها ,
ولزيادة التوضيح ودفع الأمر لتبيّن اوجه الخلاف فأحيلكم الى كتاب ( مفاتيح الغيب ) للفخر الرازي الذي اورد روايات في القراءات الشاذة للآية ومحاولة نبذها والأخذ بالرواية المتواترة ( المجلد 22 الصفحة 64 ) , وفيه اكّد ذات الأراء السابقة ولكن بزيادة في اسانيدها .
وذكر الطبري في تفسيره ( جامع البيان في تفسير القرآن ) روايات اخرى اورد بعضها ابن منظور في كتابه لسان العرب واهمها رأي اهل البصرة في ان ال (انّ) خفيفة في معنى انّ الثقيلة وهي لغة لقوم دون ان يسمّيهم .
امّا النيسابوري في تفسيره (تفسير غرائب القرآن ) فلقد اورد رأيا غريبا بتجويزه رواية ابي عمرو وعيسى بن عمر ( انّ هذين لساحران ) المجلد16 الصفحة 118 . وذكر الفخر الرازي ان هذه القراءة هي ذاتها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن بن علي رضي الله عنهم اجمعين ( انظروا مفاتيح الغيب م 22 ص 64 )
اخواتي واخواني الأعزاء , اكتفي بهذا القدر , ورغم ما يبدو عليه من اطالة , فأنني حاولت ما وسعني الجهد ان اختصره ,
ولقد وضعت هذا المبحث الصغير امامكم ليكون في مقدورنا جميعا ان نجيب على من يحاول التشكيك في ابنية كتاب الله العزيز , الذي انزله رحمة وشفاء للعالمين وهو له لحافظ .
خالص مودّتي وتحياتي الطيّبات عليكم
صلاح
التعديل الأخير تم بواسطة salah ; 04 Jan 2003 الساعة 09:58 AM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)