الغضب لا يحدث عفوا واعتباطا، وإنما ينشأ عن أسباب وبواعث تجعل الإنسان مرهف الإحساس، سريع التأثر.

ولو تأملنا تلك البواعث، وجدناها مجملة على الوجه التالي:

1 ـ قد يكون منشأ الغضب انحرافا صحيا، كاعتلال الصحة العامة، أو ضعف الجهاز العصبي، مما يسبب سرعة التهيج.

2 ـ وقد يكون المنشأ نفسيا، منبعثا عن الإجهاد العقلي، أو المغالاة في الأنانية، أو الشعور بالإهانة، والاستنقاص، ونحوها من الحالات النفسية، التي سرعان ما تستفز الإنسان، وتستثير غضبه.

3 ـ وقد يكون المنشأ أخلاقيا، كتعود الشراسة، وسرعة التهيج، مما يوجب رسوخ عادة الغضب في صاحبه.

أضرار الغضب

للغضب أضرار جسيمة، تضر الإنسان فرداً ومجتمعاً، جسميا ونفسيا، وماديا وأدبيا. فكم من غضب شحن النفوس بالأضغان، وفصم عرى التحابب والتآلف بين الناس. وكم من غضب زج بأناسا في السجون، وعرضهم للمهالك، وكم من غضب أثار الحروب، وسفك الدماء، فراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء.

والغضب بعد هذا يحيل الإنسان بركانا ثائرا، يتفجر غيضا وشرا، فإذا هو إنسان في واقع وحش، ووحش في صورة إنسان.

فإذا بلسانه ينطلق بالفحش والبذاء، وهتك الأعراض، وإذا بيديه تنبعثان بالضرب والتنكيل

الغضب بين المدح والذم

الغضب غريزة هامة، تلهب في الإنسان روح الحمية والإباء، وتبعثه علي التضحية والفداء، في سبيل أهدافه الرفيعة، ومثله العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح، والأموال، والكرامات. ومتى تجرد الإنسان من هذه الغريزة صار عرضة للهوان والاستعباد.

فيستنتج من ذلك: أن الغضب المذموم ما أفرط الإنسان، وخرج به عن الاعتدال، متحديا ضوابط العقل والشرع. أما المعتدل فهو كما عرفت، من الفضائل المشرفة، التي تعزز الإنسان، وترفع معنوياته، كالغضب على المنكرات، والتنمر في ذات الله تعالى.

علاج الغضب

ا1 ـ إذا كان منشأ الغضب اعتلالا صحيا، أو هبوطا عصبيا كالمرضى الشيوخ ونحاف البنية، فعلاجهم بالوسائل الطبية، وتقوية صحتهم العامة، وتوفير دواعي الراحة النفسية والجسمية لهم، كتنظيم الغذاء، والتزام النظافة، وممارسة الرياضة الملائمة، واستنشاق الهواء الطلق، وتعاطي الاسترخاء العضلي بالتمدد على الفراش.

كل ذلك مع الابتعاد والاجتناب عن مرهقات النفس والجسم، كالاجتهاد الفكري، والسهر المضني، والاستسلام للكآبة، ونحو ذلك من دواعي التهيج.

2 ـ لا يحدث الغضب عفوا، وإنما ينشأ عن أسباب تستثيره، أهمها:

المغالاة في الأنانية. الجدل والمراء، الاستهزاء والتعيير، المزاح الجارح. وعلاجه في هذه الصورة باجتناب أسبابه، والابتعاد عن مثيراته جهد المستطاع.

3 ـ تذكر مساوئ الغضب وأخطاره وآثامه، وأنها تحيق بالغاضب، وتضر به أكثر من المغضوب عليه، فرب أمر تافه أثار غضب عارم، أودت بصحة الإنسان وسعادته.

يقول بعض باحثي علم النفس: دع محاولة الاقتصاص من أعدائك، فإنك بمحاولتك هذه تؤذي نفسك أكثر مما تؤذيهم ... إننا حين نمقت أعدائنا نتيح لهم فرصة الغلبة علينا، وإن أعدائنا ليرقصون طربا لو علموا كم يسببوا لنا من القلق وكم يقتصوا منا، إن مقتنا لا يؤذيهم، وإنما يؤذينا نحن، ويحيل أيامنا وليالينا إلى جحيم(دع القلق وابدأ الحياة).

وهكذا يجدر تذكر فضائل الحلم، وآثاره الجليلة، وأنه باعث على إعجاب الناس وثنائهم، وكسب عواطفهم.

وخير محفز على الحلم قول الله عز وجل:((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)) (فصلت: 34 ـ 35).

4ـ من الخير للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره، ريثما تخف ثورته، والتروي في أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب، فذلك مما يخفف حدة التوتر والتهيج، ويعيده إلى الرشد والصواب، ولا ينال ذلك إلا بضبط النفس، والسيطرة على الأعصاب.


6 ـ ومن علاج الغضب: الاستعاذة من الشيطان الرجيم.