تحيّات طيّبات عليكم جميعا
بدءا , اودّ التأكيد على انني اكتب الموضوع منفصلا عن موضوعتي السابقة رغم ارتباطهما بقواسم مشتركة كثيرة , ليس على مستوى الرهان الفني او السقف الزمني لظهورهما وحسب , ولكن ايضا لتأثيرهما في واقع الشعر العربي المعاصر خلال الخمسين سنة المنصرمة .
ولا يفوتني ان اشكر اخواتي واخواني سواء من الأدارة او من الأعضاء على وقوفهم الجميل وكلماتهم الطيبة التي يبعثوا بها اليّ بين الحين والآخر, رغم ما في هذه المواضيع من مشقّة في قراءتها ..

ارجع الى الموضوع , فأقول :
.... ذات الأمر حدث مع قصيدة النثر في مجال تحديد الريادة , أنْ كانت الريادة تعني اول من كتب نصّا بنيّة الشعر دون ان يتبنّى فيه اي شكل من اشكال العروض الموروثة , وبين من قام بتفعيل هذا النموذج الجديد في واقع الشعر العربي والدفاع عنه حتى اشتداد عوده وانفصاله ككائن يمتلك مقوّمات وجوده بمعزل كامل عن الأشكال الأخرى الموازية له .

يعتبر الشاعر والوزير الأيوبي القاضي الفاضل ( 529 _ 596 هج ) اوّل من كتب نصّا بنيّة الشعر لايخضع في بنائه للقوالب والوحدات الوزنية المعروفة وكان ذلك اثناء تولّيه الوزارة وديوان الأنشاء على ايام السلطان صلاح الدين الأيوبي .
فلقد كتب قصيدة شطرها الأول لا يخضع للشعر ومقاييسه المعروفة بشيْ , واما شطره الثاني فكان موزونا ومقفّى . ومن ابيات القصيدة :

وصل كتاب مولاي بعدما
اصات المنادي للصلاة , فأعتما

فلمّا استقرّ لديّ
تجلّى الذي من جانب البدر اظلما

فقرأته
بعين اذا استمطرتها امطرت دما

وفي مقدوركم ان تتبيّنوا انّ الشطر الأول من النصّ مكتوبا بنثرية خالصة لا تحتكم الى الوزن او القافية , اما الشطر الثاني فكان موزونا على البحر الطويل .

وهناك رأي آخر يبدو مختلفا لأول وهلة عن هذا الرأي , ويمكن تلخيصه بأن مرجعيات قصيدة النثر العربية يمكننا العثور عليها في طائفة من كتب التراث التي تنحو في لغتها الى الأيجاز والتكثيف , كما في لغة محمد بن عبد الجبار النفّري ( 303 _ 354 هج ) او لغة البسطامي او الجنيد والسهروردي وآخرين وحتى في بعض من المصادر التي خلّفها البلدانيون العرب والمسلمون حينما تناولوا الظواهر التي لا تدركها الحواس او وصفهم لبعض الأقاليم وحيوات البرّ والبحر , وسأثبت لكم نصّا للنفّري لترون الى كثافته وطريقة استخدامه للغة وايجازه العذب رغم مرور اكثر من الف عام على وفاته في احدى سياحاته الغامضة .

( اوقفني في الثوب وقال :
انّك في كلّ شيء
كرائحة الثوب في الثوب

وقال لي :
انْ كان مأواك القبر
فرشته لك بيدي

اجعل الحرف وراءك ..... )

وهذا الرأي ذهب اليه بعض النقاد دون ان يقوموا بتوسيعه , بل وقفوا عند حدوده بأنتظار ان يقوم احد ما بدفعه لنتمكّن من ايجاد آباء شرعيّين لقصيدتنا المعاصرة .

سأكتفي بهذا القدر , حتى لا يصيبكم الممل جرّاء مطالعته , وسأدوّن قسما آخر عندما اتوفّر على الوقت قريبا ان شاء الله ,,

دمتم لمودّتي الصافية