السياق الفكري والتحريض الذي سبق أحداث الرياض


لم تكن التفجيرات الأخيرة التي حدثت في الرياض غريبة أو مفاجئة لأنها كانت متوقعة ومعروفة حتى من قبل الإعلان عن بعض أسماء الشبكة الإرهابية في الأسبوع الماضي كما أن المجموعة الإرهابية لا تقتصر على الأسماء المعلنة فقط فهناك أسماء أخرى لم تعلن وربما أسماء أخرى لم تعرف أو تكتشف، وإذا كان من سلبيات ما حصل أنها تهدد أمننا الوطني وتزرع حالة من عدم الاستقرار لدى المواطنين بكل انعكاساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في أنها تخلخل المفاهيم التي استقر عليها وعي المواطن وارتكز عليها بناء الدولة ولكن قد نخرج منها بدروس مستفادة من التجربة وليس من العمليات الإرهابية في أنها أظهرت على السطح أموراً كثيرة كانت تجرى في الخفاء أو تدبر بليل ويتم التغاضي عنها إما حماساً للشعور الديني ونصرة للجهاد الإسلامي في صورته الصحيحة البعيدة عن اتخاذه وسيلة لمآرب سياسية أو جعله غطاء لجماعات إرهابية متطرفة أو للشعور المستقر في أذهاننا بأن أبناء وطننا بحكم شعورهم الديني وانتمائهم الوطني لا يمكن لأحد منهم مهما كان أن يسيء إلى الوطن والمواطنين أو يروعهم ويهدد حياتهم مهما كانت الأسباب، واليوم بعد أن اتضحت الحقائق وانكشف الغطاء لا بد لنا أن نسمي الأشياء بأسمائها ونضع الأمور في سياقها ونعترف بالحقائق المرة بشجاعة ونصارح الناس بكل ما جرى ويجري بعد أن جعلنا حسن الظن نرفق بمن ضل من أبنائنا وتطلعنا إلى أن تكون لهم عودة صالحة إلى وطنهم وإلى تقاليد الإسلام السمحة بعيداً عن التطرف والإرهاب والتكفير والقتل والنبذ والإقصاء وأن نعترف بأن هناك بوادر كانت تغذي هذا التيار زمنا طويلاً وجهات كان لها خطابان أحدهما متطرف صريح يشجع هذا التيار في السر والآخر خطاب موارب توفيقي يحتمل أكثر من معنى وتفسير في العلن ثم كشف عن وجهه صراحة بعد الأحداث الأخيرة.
1- ففي بيان منسوب لـ"القاعدة" باسم أبي محمد الأبلج المشرف على مركز التدريب التابع لـ"القاعدة" وطالبان في أفغانستان ذكر فيه بأن المخطط الذي يعتزم التنظيم تنفيذه في السعودية والخليج لم يتأثر بالكشف عن الشبكة الإرهابية وأن المخطط كبير ويعد له منذ وقت طويل عن طريق تجهيز مجموعات وأسلحة وترتيب مكثف وأن تنظيم "القاعدة" يخطط لنقل معركته بكافة أشكالها إلى قلب الجزيرة العربية وأن تنظيم "القاعدة" لديه وجهات قوية لخوض حرب عصابات طويلة الأمد عن طريق الاغتيال والاقتحام والتفجير.
2- ما ذكره المعارض السعودي سعد الفقيه من لندن بأن هؤلاء انتقلوا نقلة نوعية في ضرب الأمريكيين هو نوع من التلبيس والتدليس على الناس فقد سبق أن أعلن وزير الدفاع السعودي ووزير الدفاع الأمريكي عن سحب القوات الأمريكية من السعودية، تلك التي كانت موجودة بناء على اتفاقية صفوان عام 1991 لمراقبة الحظر الجوي على العراق تنفيذاً لمقررات الأمم المتحدة ووقع عليها العراق نفسه وبعد أن انتهت مسببات وجودهم رحلوا وبدأت القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية فعلياً في سحب تلك القوات، أما من بقي فهم إما بغرض التدريب للارتقاء بمقدرات القوات السعودية أو مدنيون يسهمون في البناء بموجب اتفاقيات مدنية حكومية أو خاصة في شتى مجالات التنمية، ولذلك فإن هذه الدعوى تسقط خاصة أن من بين الضحايا سعوديين وأطفالاً أردنيين ومن جنسيات أخرى ليست غربية.
3- هناك مجموعة من مشايخ التيار التكفيري أفصحوا علانية عن تغذيتهم ودعمهم لهؤلاء المتطرفين مثل علي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي الذين حرَّموا الوقوف ضدهم أو التبليغ عنهم أو تتبعهم وتهديد من يعين عليهم بعقوبة الله وانتقامه، كما قام أحد أفراد الشبكة بنشر بيان يذكر فيه أن هدفهم هو الجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين وأنهم لن يوجهوا سلاحهم إلى المسلمين مهما كان السبب وأثبتت أحداث الرياض والضحايا أن جهادهم المزعوم كان في الرياض ووقع مسلمون وسعوديون ضمن الضحايا.
ثم جاء بيانهم الجماعي ليؤكد على أن ما شاهده الناس عبر وسائل الإعلام هو من إعداد العدة الواجب علينا شرعاً إعداده لإرهاب العدو وأن من وقف بوجههم أو تعرض لهم فدماؤهم حلال والتصريح بأنهم لن يترددوا في قتل كل من يتعرض لهم، وهذا هو ما أكدته التفجيرات بأن هدفهم ليس الأمريكيين فقط، وأن عدم مساسهم بالمسلمين إنما هو من الشعارات التي يكذبها واقع الحال.
4- إن موقف علماء الأمة جميعاً يجب أن يكون واضحاً وصريحاً ومعلناً على رؤوس الأشهاد دون مواربة أو لبس فمن العلماء من أظهر رأيه واضحاً وعلى رأسهم سماحة مفتي عام المملكة الذي تحدث عن الجماعات الضالة التي خرجت عن الطريق القويم وأن من أحدث حدثاً في البلاد فلا يجوز التستر عليه بل يجب الإبلاغ عنه والشيخ عايض القرني الذي أكد أن ما حدث يوم الثلاثاء ليس من الجهاد في شيء وأن حمل السلاح في بلاد الإسلام في وجود سيادة ومجتمع مسلم محرم شرعاً، والدكتور محسن العواجي الذي أنكر كل مظاهر الإرهاب والعنف والتطرف في القول والعمل أو اتخاذ هذه المظاهر لتحقيق أهداف وغايات تزعزع أمن المجتمع واستقراره.
ومع ذلك وفي ظل الدهشة التي أصابت الناس انتظروا من كثير من العلماء رأياً وموقفاً فلم يجدوه فبيان هيئة كبار العلماء تأخر ولم يظهر، ومواقع العلماء على الإنترنت تظهر وكأنها غائبة عن الحدث فموقع الإسلام اليوم نشر أخباراً فقط عن الحدث وهو ليس مجرد موقع إخباري أما المقالات فكانت عن استثمار المعركة (العراق) والفتاوى كانت عن الموالد وطريقة كتابة الوصية في حين كان موقع الرسالة يتحدث عن المفاوضات والطرق المثلى لاستخدام الهاتف والفتاوى عن المسيار وحكم الإيجار المنتهي بالتمليك وحكم العمليات التي يقوم بها إخواننا في فلسطين هل يعتبر جهاداً في حين لم ترد أي إشارة إلى ما يحدث في السعودية.
5- هناك من الفتاوى والرسائل في مواقع الإنترنت التي تؤيد صراحة أو ضمنا ما يحدث أو تدفع الشباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى العنف مثل موضوع الشيخ حمد الريس ورسالة سمير المالكي ورد عبدالعزيز الجربوع على الشيخ سلمان العودة في أحداث أمريكا وبيان العلماء السبعة والعشرين الذي طالب الغيورين في مدنهم وقراهم بأن يلتفوا حول من يعرفون صدقهم من المشايخ وطلبة العلم، وكأنهم يلغون بذلك مؤسسات المجتمع المدني وسلطة أولي الأمر. وهي وإن كانت آراء خاصة بهم فلم يوضح علماؤنا ومشايخنا الأفاضل موقفهم منها تأييداً أو إنكاراً أو تحريراً أو مناقشة، وما أحوجنا اليوم إلى تلك المواقف الصريحة أو الآراء التي تهدي الشباب وتنورهم أو توحد الصفوف وتؤمن الخائف والمرتاع.
6- يبقى أن نشير إلى أن الموضوع لا يتعلق بأشخاص أو أعداد من الناس وإنما يتعلق بفكر يجب أن يظهر على السطح ويكشف ثم يحاور ويناقش على الملأ ويشارك فيه كل فئات المجتمع ومعرفة المؤسسات التي تنميه أو الجماعات التي تتبناه وليكون الهدف من الحوار والنقاش حماية أبنائنا من التغرير ومجتمعنا من الاضطراب وحتى يكون السائد هو الإسلام بمفهومه الحقيقي لا كما تريد بعض التيارات والجماعات المتطرفة لغاياتها الخاصة، ونسأل الله أن يحمي المسلمين ويعلي من شأن الإسلام.


http://www.alwatan.com.sa/daily/2003...p_politics.htm