" يا أيها الإنســان إنك كــــادح ..."

[القنديل]

يا أيها الإنسان إنك كــادح !

إلى الإنسان فقط اكتب هذا الموضوع !

إلى كل إنسان رمت به أيامه في حلبة الصراع فتلقى لكمات المشقة والعناء ، وعاش مرارة التقلبات وتبدل الأحوال

إلى من نزل الهم في قلبه واستوطن الحزن في حياته فاستيأس .

إلى من عاش غريباً في هذه الدنيا ، فلم يجد من يؤنسه ويسليه فضاق صدره وأوحشته الدنيا .

إلى من مات حبيباً إلى قلبه فبكاه ورثاه وما زالت بالدمع عيناه .

إلى كل مصاب في دينه أخذته الشياطين إلى واديها فرمته في متاعب النفس وصراع التخلص من رجسها

إلى المظلوم والسجين والغريب واليتيم والمريض والجائع والمشرد والمدين والحزين واليائس والمكافح وإلى

الداعي إلى رضوان الله والمجاهد في سبيل الله ، إلى من حمل اللهم وتقطع قلبه ألماً وحزنا

إلى الإنسان اكتب هذا الموضوع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

سئل عبدا لله أباه الإمام أحمد بن حنبل

يا أبي متى الراحة ؟

قال : إذا وضعت قدمك في الجنة

إنه جواب من فهم خطاب القرآن الكريم في تربية النفس البشرية بأن هذه الحياة إنما هي كبد كما قرره القرآن

في قول الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في كبد) ، حقيقة أقسم الله عليها ليلفت

هذا المخلوق الضعيف المتأثر بتصرفات الأيام وتقلباتها بأن الحياة مشقة وعناء وكبد ، ويسبق هذه الحقيقة قسم

من الله سبحانه وتعالى بـ (ووالد وما ولد ) طور التوالد وما به من صور الجهد

والتعب من حمل الأم والمخاض والوضع وعمل الأب وسعيه من أجل اللقمة والمسكن والمستقبل ثم يأتي المولود

باكياً صارخا ، وكأنه الحنين إلى حياته التي تركها في بطن أمه وكأنه خوف من القادم المجهول حتى قالوا أن

سبب صراخ الطفل عند ولادته هو مسة من الشيطان وهو أول وأخطر الأعداء في رحلة الحياة الشاقة .

( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) متاعب الحياة الجسمية والنفسية تتكرر صورها

يومياً ما دام هذا الإنسان يعيش فيها ، ومن تعلم من القرآن حياته وفهم أنها إرادة الله هانت عليه المصاعب ولو

ثقلت وهذه الحقيقة تجلت في سورة أخرى لكي تبقى راسخة في قلوب المؤمنين المخلصين وليستعينوا بها على كل مشقة ومعضلة ففي سورة الانشقاق( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )
وهو نداء إلى الإنسان ليلفت انتباهه مرة أخرى للحقيقة نفسها أن الحياة كدح وكبد . ولكن عزاء المؤمنين

الصادقين أن هذا الكد والتعبله أجر ، وأي أجر أعظم أجراً من الجنة .


وإنه لعجب من يطلب الراحة في فترة مؤقتة ليخالف السنة الربانية ، فهؤلاء الأنبياء المصطفين الأخيار وهم القدوة

والمثل لقوا من العناء والمشقة في سبيل دعوتهم الشيء الكثير وما استكانوا وما ضعفوا وفي كل كربه يتوجهون

إلى الله كما فعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما رفع بصره إلى السماء وقد استقر في قلبه الرضى

والتسليم بقضاء الله وقدره ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين

إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك

أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا

والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك )


ويعقوب فاقد ابنه في عالم الغيب يسلي نفسه ويقول (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله )

ويوسف يبتلى في دينه وعرضه فينادي ربه ( رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه )

وموسى المهاجر يستريح تحت شجرة بعد طول السفر بعد أن ترك وطنه وينادي ربه ويقول ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )

ومريم تتمنى الموت من شدة الابتلاء ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا )

و أيوب الصابر ينادي ربه ( أني مسني الشيطان بنصب وعذاب )


كل تلك الآيات القرآنية وغيرها الكثير تربية للنفس البشرية التي تستقي من القرآن الكريم وتستنير به في طريقها إلى الآخرة .

وحقيقة هذه الدنيا التي يعجز عقل الإنسان الصغير عن تصورها أن مدتها ساعة ، ولن يدرك الإنسان هذه الحقيقة

إلا حينما يصارع الموت على الفراش في لحظات الوداع والإنتقال إلى عالم آخر وكأنه لتوه أفاق من سبات عميق

وأنتبه للحقيقة أن الحياة ساعة يعقبها دار طويلة ، كما قال أحد الصالحين إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .