كثيرة هي الأسئلة التي يسألها الطلاب للمحاضر في الجامعة , وكم هي كثيرة أيضا الحماقات التي تعانق بعض هذه الأسئلة !!!
يجيب أحيانا وكثيرا ما يقطب جبينه لعلمه بالمقاصد المبتغاة من كل هذا الهذر , لكن يجامل في أغلب الأسئلة , لعدم جرح الشعور ولكسر باب الخوف عند كل الطلاب , وصاحبنا هذا يزيد سفاهة يظن أن كل الدكاترة يجاملون , فتجده وقد أتقن فن العصف الذهني لتجميع كل لفظ لا تستسيغه العقول , ولا تؤمن به السليقة .
هي فلسفة مجردة تماما من المعاني يلقيها أمام دكاترته وزملائه , هي فن التفرقة بين السبورة والمساحة ! هي فن التفرقة بين البيضة والدجاجة ! هي تتفق تماما مع الجدل الدائم حول شخصية جحا , هي !!!
هي ( لا تمت بصلة للموضوع ولا بغيرة لا من قريب ولا من بعيد ) .
رفع يده سؤال ومداخلة يادكتور , وقد ضمن سؤاله لافتات غير مبهمة وإشارات تقوم على زخرفة كلاميةالهدف منها : أنا مثقف يادكتور , أنا أعارضك يادكتور .
ــ جميل أن يعارض الطالب دكتوره إذا كان الصواب معه لكن الإشكالية في طريقة تقديم هذا الرأي أمام حشد من البشر , والطامة الكبرى تكون في الأسئلة !!!
بعد المحاضرة اجتمع عدد من الطلاب وأخذوا يتهامسون فيما بينهم .
قال الأول للثاني : ألم أقل لك إنه صاحب إطلاع واسع وصاحب نقاش ساخن .
وتشدق الثاني : نعم , فقد عارض الدكتور في كلامه , وتبين أن الصواب معه , هل سمعته عندما قال إسم كتاب غريب لمؤلف غربي , ياله من اسطورة .
قال الثالث غاضبا : مهلا أما حضرتما عند الدكتور عبدالعظيم , الرجل الذي لم يسمع بالمجاملة أبدا , صاحبكم هذا حضر عنده بحجة الاستفادة اسمع ماذا جرى .
بدأ الدكتور عبدالعظيم الصعيدي محاضرته :
درسنا ( النهار ده ) عن كتاب الاقتراح في أصول النحو وجدله ( بُصُّو ياأولاد ) مؤلف هذا الكتاب هو العالم الشهير محمد السيوطي , ثم أكمل حديثه عن الكتاب , تفاجأ بأحد الطلبه رافع يده , استغرب فهو لم يكن معتادا على الأسئلة إلا بعد انتهاء المحاضرة .
سكت وقال: ( أيوه يبني عاوز أيه )
الطالب وبتحريك يديه إلى أعلى وإلى أسفل , وبلهجة بطيئة متقطعة آآ : (( يا دكتور هل نستطيع الآن أن نقول بأن مؤلف كتاب الاقتراح هو السيوطي , وهل له صلة وطيدة بعلم الأنثروبولوجيا وهل يمكن تطبيع هذا الكتاب في علم بنيوية النص ) . ثم سكت ينتظر الإجابة .
الدكتور , استعاذ من الشيطان وسبح الله كثيرا وحوقل , وأخرج حبوب الضغظ والسكر وأكل 4 من كل شريط .
ثم قال والشرر يتطاير من عينية وبلهجة حادة : ( يابني أنت ما خد الدنيا من ورى وإلا أيه , متفرَّأش بين النحو وعلم الإنسان , وأنا عَمَّال أشرح أيه وتؤلي للسيوطي , يخرب بيتك وبيت المدارس اللي اتعلمت فيها , أنت ابقامعة وإلا أيه )
ضحك الطلاب كثيرا حتى تساقط البعض من الكراسي , فقد كان يخدعهم كثيرا بهذه الزخرفات الرنانة .
لو كنت بمكان الدكتور لقلت , شكرا لتفاعلك , هل من سؤال آخر ياطلاب ؟
لأنه لا علاج للحمقى حقيقة غير السكوت .
لا أدعي الفهم لكني ألاحظ , وإن كان هذا لا يحتاج الى ملاحظة , فهو بمثابة احساس الإنسان عند نزع روحه من جسده , إنك حين تسمع لأسئلة هذه الفئة من الناس تشعر بالغثيان , وتشعر بالنعاس فهي تسكب علينا جرعات من الملل , وتشوقنا لزيارة أقرب صيدلية لاشتراء ( بندول نايت ) , وكم هي المرات التي أحرم نفسي فيها المحاضرات عندما أرى أن الباب فُتح بمصراعيه أمام بعض المتشدقين والدكتور يجامل .
فالطالب في واد ٍ, والسؤال في وادٍ , والدكتور في وادٍ , وأنا أيضا في وادٍ لأني خضعت لرغبة قلبي وخرجت .
وباختصار أحبائي : هذا النوع من البني آدم ( إن صح التعبير ) يريد الظهور بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة للولوج إلى عالم الشهرة المزيف .

قلي لمن يدعي في العلم فلسفة *** حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
.