[align=justify]






لم يعد يدهشني أي شيء في هذه الدنيا ، ابتداءً من امتلاء النت والصحف والمحطات الفضائية بالأحذية وانتهاءً باختراع مادة جديدة تحول النحاس إلى ذهب ..

فكل شيء ممكن .. ألغت من دماغي متعة الدهشة والانبهار والتعجب فأصبح وقع خبـر إطلاق مركبة فضائية مأهولة إلى زحل يساوي عندي
خبر زواج ابن جيراننا محمد من ابنة عمه كوثر،وينطوي تحت هذا الإحساس انعدام المفاجآت بأنواعها ، فعلى سبيل المثال لم يفاجئني
صاحب العمارة عندما طالبني بإيجار الشقة المتأخر ثلاثة أشهر بكل أدب واحترام على غير عادته ..
ولم يفاجئني استهزاء أغلبية مشجعي نادي النصر السعودي- بموقع النادي على النت – بالمفاوضات التي يقوم بها النادي لشراء اللاعب السوري
فراس الخطيب من نادي العربي الكويتي رغم أنه هداف الدوري الكويتي لثلاث مرات وله أربعين هدفا ً خلال ثلاث سنوات
وأنه رابع هدافين آسيا عام 2006 وترتيبه عشرين ضمن هدافي العالم ، ولم يفاجئني أن بعض المشجعين دافعوا عنه أيضا ً ، ولكن ما لم يفاجئني
أكثر اكتشافي الآن أني لست من مشجعي النصر أو العربي أو فراس الخطيب أو أي نادي آخر عربي أو عجمي بل وجدتني أشجع
بكل جوارحي صورة طفلة تبتسم وعلى رأسها يد رجل ، وكتب أعلى الصورة " أجرها الجنة " وأسفل الصورة جملة معناها " لكي ترافق الحبيب في الجنة " ..

تقاطعت هذه المعطيات في رأسي حتى اشتبكت واختلطت مع صور وأخبار أخرى " لم تفاجئني " في حينها ولا حتى الآن ، كالمليارات
التي تصرفها الحسناوات والحيزبونات العربيات على أدوات وعمليات التجميل والمليارات التي تستثمر في الغرب وتذهب أدراج المحتالين " هناك "

ومئات الملايين التي تدفعها الأندية العربية لشراء لاعبين ومدربين للفوز بخمسة كيلو من النحاس اسمه الكأس ، ولم يفاجئني أبدا ً
موت آلاف الأطفال في العراق والصومال وأفغانستان وكثير من الدول الإسلامية بينما يدفع بسخاء وعن طيبة نفس ملايين الدولارات
لفاتنات الطرب الأصيل والرقص الجميل ، ولم يفاجئني بتاتا ً المساعدات التي يقدمها العرب للغرب في أزماتهم المالية
وعند وقوع عقاب رباني كالأعاصير والكوارث الطبيعية ، إنما والشهادة لله أعترف أمام نفسي وأمامكم أني لم أفاجئ بالدعوة التي رفعها
الشيخ البحريني " نسيت اسمه " على مايكل جاكسون لأنه أخذ منه كذا مليون دولار مقابل تسجيل ألبوم بصوته العذب وتدوين سيرة حياته
المليئة بالعبر والدروس والأخلاقيات التي ستستفيد منها لابد " الأجيال العربية القادمة " ولقب الشيخ هنا لا تعني أنه عالم فقيه بل تعني
أنه من الأسرة الحاكمة أو أنه يمتلك بضعة مليارات من الدولارات فأصبح شيخا ً يحتذى به ...

أفكر أحيانا ً " والحمد لله أني ما زلت أفكر " - والتفكير وإعمال العقل ليس محصورا ً بالعلماء وطلاب العلم والباحثين على ما أظن ، إنما فرض
على كل عاقل أن يفكر ويتأمل ويستنتج ومن ثم يحكم على الأشياء - أن كثيراً من الأحاديث الشريفة تحث المسلمين على كفالة الأيتام وأن
جزاءهم الجنة بجوار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى مساعدة الفقراء والمساكين و .. إلخ من أعمال الخير التي تنهض
بالمجتمع من القاع إلى القمة وتؤلف بين القلوب ، وبالمقابل جزاء الذين يكنزون الذهب والفضة و " الدولارات والريالات والدنانير والدراهم
والليرات والجنيهات والأسهم والعقارات " تندرج تحت مسمى الذهب والفضة أيضا ً لكي لا يتذاكى بعض الأذكياء بدرجة " مقبول " ، ومع ذلك
لا يشترون الجنة ببعض ما رزقهم الله ؟
وتراهم يشترون جهنم بكل ما أوتوا من مال وذكاء وشطارة وحيلة ودهاء .. " تحتاج لتعجب ؟"
لا .. لن أتعجب .. فجهنم تقول هل من مزيد والدرك الأسفل بانتظار استضافتهم إلى ما شاء الله ..
وأعود للتفكير بعقل الساذج وأقول في نفسي : ما يضير هؤلاء الناس أن يجتزئوا جزءاً مما يدفعوه لنزواتهم وملذاتهم وهواياتهم
ويخصصوه لأقران تلك الطفلة اليتيمة في الصورة وجياع المسلمين ومساكينهم ونوابغ طلابهم الفقراء الذين يجبرهم فقرهم وعوزهم إلى ترك
الدراسة والتوجه للعمل في ورشة ميكانيكي بينما أمثالهم في الغرب " الكافر " تجدهم بعد عدة سنوات قد اخترعوا حبلا ً يدخل سم الخياط
ومنظاراً ترى من خلاله سكان الأسكيمو وأنت في الربع الخالي ..

ولكن الذي يحدث ودون أن أصاب " بالفجأة " أن أنصاف الأغبياء من بعض أبناء الأثرياء يشترون شهادات الماجستير والدكتوراه
من بعض البلدان الشرقية والغربية ليعودوا لنا جهابذة على الورق ، فتراهم يستلمون المناصب ليصلوا لأعلى المراتب في جميع الدوائر
والوزارات الحكومية بدءا ً من وزارة التخطيط وانتهاءً بوزارة التبن وأعلاف إخوانهم في التفكير ..
هذه الفكرة الأولى بكل سذاجة ..

أما الفكرة الثانية بشيء من العقلانية :
هو أن تقوم الحكومات الذكية الرحيمة بسن قانون يجبر هذه الشخصيات على دفع جزء من تبرعاتهم لأندية كرة القدم وتكاليف حفلاتهم
العفنة المشبوهة وسهرات القمار الماجنة في أنحاء العالم لصالح هؤلاء المسلمين على اعتبار أنهم مسلمين بالولادة والفطرة والهوية
والشكل وأن الإسلام يسعى إلى التكافل بين المسلمين وليس إلى " التتافل " ..

وبينما أنا لا زلت تحت تأثير التفكير تذكرت أني كتبت منذ مدة شيئا ً يشبه هذا الذي " فوق " فشعرت أني إنسان حاقد على أثرياء العرب
وتصرفات الحكومات والمسؤولين فاستخدمت نفس العقل واتصلت بطبيب نفسي ذاع صيته بين العوام وسألته عن حالتي وما أعانيه
من حالة الحقد هذه ، فأكد لي وجزم أني بحاجة لعلاج طويل الأمد ونصحني بداية ً بمصالحة نفسي أولا ً والشيطان ثانيا ً وبأقرب
وقت ممكن .. ومن ثم علي الدخول في الحزب الحاكم في بلدي وعدم تفويت أي محاضرة حزبية أو خطبة لولبية ، ونصحني بمحاولة
الحصول على وظيفة في أي وزارة والتقرب من الرأس الكبير فيها وأكد لي أن الرأس الكبير ليس بالضرورة الوزير ، كما نصحني
بمتابعة بعض برامج تطوير الذات مثل شاعر المليون وهزي يا نواعم ومع جويل أحلى ، وحذرني أشد تحذير من متابعة برامج
القرضاوي وعبد الكافي ، وقال لا بأس بنشرات أخبار المحطات الرسمية والتابعة لها فقط ، وأنهى كلامه بمثل يعتنقه شخصيا ً حسب قوله " إذا شفت الأعمى طـُبّو .. مالك أكرم من ربّو "
فسألته عن معناه باللغة العربية الفصحى لأستوعب المعنى أكثر فشرح المعنى بأنك إذا صادفت أعمى في الطريق فلا تساعده ..
بل ادفعه ليقع على وجهه ، وقس ذلك على كل من تشعر أو حتى تتأكد من حاجته الماسة للمساعدة لأن الله عز ّ وجل أراد له هذه الحياة " حسب قوله " ..

وعندما سألته عن إمكانية شفائي بعد تنفيذ تعليماته و نصائحه قال لي : ممكن ليش لا .

و تحت تأثير التفكير الساذج ذاته تذكرت أن هذا الطبيب هو ابن أحد أثرياء العرب - الذين أحقد عليهم " ربما بالفطرة " -

فقلت في نفسي : ممكن ليش لا ..



يا حاقد
من يفهمني بس



[/align]