خادم الحرمين الشريفين اهتم بنشر ثقافة الحوار داخل المملكة وخارجها
ثقافة الحوار طريقنا للمستقبل





تحقيق - منيف خضير :

الحوار ثقافة إسلامية، وأسلوب متطور للتعامل بين البشر في الحياة، أين نحن من الحوار وأين الحوار منا؟ في هذا التحقيق استضفنا مجموعة من المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار في المملكة، كما التقينا المدير العام لإدارة التدريب وورش العمل بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عبدالله الصقهان لنتحدث عن سُبل نشر ثقافة الحوار بين الأفراد والمجتمعات.

الحوار والتعليم

سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد يؤكد من جانبه أن النقد الفكري أصبح ركناً أساسياً من أركان التعليم في بدايته؛ ليتشرب التلاميذ ثقافة الحوار السليم منذ الصغر. واصفاً الحوار بأنه أحد موجهات التعليم في الألفية الجديدة. ولم يخفِ سموه حاجة التعليم إلى مربين على مستوى عال من المهنية والكفاءة والقدرة لتحويل ما يدرسه الطالب نظرياً إلى أفعال وسلوك يمارسه مع زملائه ومعلميه ومجتمعه.

وأضاف سموه (في حديث سابق نشرته الجزيرة) أن الخلاف مبدأ إنساني وكوني، لكن المذموم منه هو الذي يتحول إلى فتنة وعنف لأسباب واهية، وما الحوادث المؤسفة التي قد تتحول إلى شقاق في المجتمع إلا نتائج مؤلمة لتغيب أدب الخلاف وممارسة ثقافة التصميت ومنع الصغار والشباب من التعبير عن آرائهم، والوصاية المتوارثة المبنية على الإخضاع والفردية، وإخفاء سياسة الإقناع. مشيراً إلى أن رابطة الحوار تدعم إنسانية البشر للفهم المشترك وتقود لإعمال الفكر العصري. وقال سموه: يجب أن نسترشد بمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود: «لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير».

اهتمام الملك بالحوار

مساعد مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة رفحاء علي التويجري تحدَّث عن جهود الملك في دعم ثقافة الحوار حيث قال: «لا تخفى جهود خادم الحرمين الشريفين في دعوته للحوار والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والحضارات؛ فقد أولى اهتمامه - حفظه الله - بهذا الأمر، واستشعر ما تعانيه الأمة الإسلامية في ظل التحديات والقضايا الملحة التي تواجه الأمة، فكان - حفظه الله - له مبادرات ولقاءات كثيرة؛ فقد عقدت الدورة الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة في ديسمبر 2005، وألقى كلمة أكد فيها أن المؤمن القوي بربه لا يقنط من رحمته، وأن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء كما يزعم المارقون بضلالهم من الغلو والتطرف. والتكفير لا يمكن له أن ينبت بأرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية».

وخلال استقباله في فبراير عام 2006 ضيوف مهرجان الجنادرية من العلماء والأدباء والمفكرين ورجال الإعلام قال في هذا الخصوص: «في هذه الظروف التي تتعرض لها الأمة لهجوم يستهدف شريعتنا ورموزها وفكرها يصبح من واجب أبنائها ومفكريها على وجه الخصوص أن يبرزوا الوجه الحقيقي للأمة, وجه التسامح والعدالة والوسطية، وأن يوضحوا للعالم كله أن ما تقوم به قلة قليلة من المتطرفين المتعصبين لا يعكس روح الأمة ولا تراثها ولا أصالتها بقدر ما يعكس الأوهام المدمرة التي تسكن عقول هؤلاء المجرمين». وأضاف يقول: «إنني أمام هذه الصفوة من أهل الفكر والرأي أدين فكرة الصدام بين الحضارات، وأدعو إلى أن تحل محلها فكرة التعايش السلمي البنّاء بين الحضارات، وأدعو أمامكم إلى أن تكون المرحلة القادمة في العلاقات بين الدول والأمم مرحلة حوار حقيقي يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر، ويحترم مقدساته وعقائده وهويته».

الأديان والتسامح

وأضاف التويجري مستعرضاً كلمات خادم الحرمين الشريفين التي تعزز الفكر التحاوري قائلاً: «وفي كلمته خلال استقباله رؤساء بعثات الحج العام 1428ه قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز: إن الأديان السماوية وما أنزل على سيدنا إبراهيم من حنيفية سمحاء تجتمع على مبادئ كبرى وتشترك في قيم عظمى تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات. مبادئ الصدق والأمانة والتسامح والتكافل والمساواة وكرامة الإنسان والحرص على تلك اللبنة الأساس لكل مجتمع ألا وهي الأسرة، فبدون الحرص على تماسك الأسرة والمحبة والاحترام وروح التضحية بين أفرادها، بدون (الأسرية) لما كان هناك مجتمع متماسك ولفقدنا ذلك الخيط الذي يربط أوصال المجتمع». وأكد ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين في كلمته - أيده الله - أمام المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار: «إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا، وباعتزاز أكرمنا الله به، إننا صوت عدل، وقيم إنسانية أخلاقية، وأننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن تلبية لقوله تعالى {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}». ورسم - حفظه الله - الطريق للحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات وحددها - أيده الله - في القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية، التي أنزلت من الرب عز وجل لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، وتنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل. وألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة أمام قادة دول العالم ورؤساء وفودها جاء من ضمنها: «لقد نص الميثاق على ممارسة التسامح وحسن الجوار، ولنا أن نتساءل أين نحن من ذلك؟».

الحوار ثقافة إسلامية

وعن الفكرة ذاتها يضيف فهد الفريد (معلم في مدرسة معاذ بن جبل برفحاء) قائلاً: «للملك عبدالله بن عبدالعزيز دور بارز في تأصيل الحوار بين الشعوب؛ لأنه يرى أن الحوار جزء من تاريخ الثقافة العربية والإسلامية ومكانته كبيرة في حياة المسلمين، ونتذكر كلمته - حفظه الله - عند إعلان تأسيس مركز الحوار الوطني: ولا يراودني أدنى شك أن إنشاء المركز وتواصل الحوار سوف يكون بإذن الله إنجازاً تاريخياً يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسؤول سيكون لها أثر فعَّال في محاربة التعصب والغلو والتطرف ويوجِد مناخاً نقياً تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي».

وأخيراً نستخلص أن خادم الحرمين الشريفين وضع المملكة ضمن الدول الرائدة في تفعيل الحوار الفكري من خلال دعم عملية الحوار سواء داخلياً أو خارجياً وفي أي بلد في العالم حتى في أحلك الأوضاع الاقتصادية.

لماذا نتحاور؟

وعن أهمية الحوار يقول عبدالله بن فرحان الشلاقي (أحد مدربي الحوار المعتمدين): «عندما تسمع سؤالاً يقول: لماذا نتحاور؟ مباشرة تتوالى أمام ناظريك محاور أساسية عدة تجيب عن هذا التساؤل، من أهمها: أن الحوار يوصلك إلى فهم كل من الطرفين للآخر، ويقوم بتنمية العلاقات الودودة، ويساعد في حل المشكلات، ويصحح المفاهيم ويثبت القيم في نفوس الناشئة ويدعم النمو النفسي لشخصيتهم، ويساعد على تعديل السلوك أو تحسين التحصيل العلمي، كما أنه يخفف من الصراعات والمشاعر العدائية، إضافة إلى كونه وسيلة للإقناع والاتصال ووسيلة للتقريب وصفاء النفس، وغير ذلك من المبررات الأساسية لاستخدام الحوار كوسيلة أساسية في حياتنا».

ويرى شايم بن عايد العنزي (مرشد طلابي في متوسطة أحد برفحاء) أن الحوار من أساليب التربية الرائعة والمفيدة للأبناء؛ فالحوار هو لغة الأنبياء والمرسلين ولغة التفاهم بين سائر الخلق؛ فهو ينمي العقل ويوجه التفكير؛ فمن الواجب علينا عند تربية الأبناء أن نستخدم الحوار في التربية، خاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الملهيات عن التربية، وانتشرت فيه الفضائيات ووسائل الاتصال المختلفة؛ فلا بد من اتباع طريقة الحوار مع الأبناء؛ لأنه يبني الشخصية ويعزز الثقة بالنفس، وأن الحوار التربوي الهادئ يوسع مدارك الأبناء، وتتمثل أهمية الحوار في إثراء المحبة بين الأب والابن عندما يتخلل هذا الحوار كلمات المودة والمحبة والإصغاء والابتسامة والمداعبة والمناداة بأجمل الألقاب مع مراعاة أن يكون أي فعل للأبناء ناتجاً من قناعة تامة ووعي ذاتي لأنفسهم وقدراتهم، وأيضاً أن تكون هذه الأفعال والقناعات ناتجة من منهج سليم قائم على الإيمان، غايته رضا الله سبحانه واتباع سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالحوار من أنجع وسائل التربية وأكثرها أثراً وأفضلها نتيجة؛ ولذلك نجده كثيراً في القرآن الكريم في تربية الأنبياء لأبنائهم؛ فما أحوجنا جميعاً إلى احترام عقول الأبناء وعدم تسفيهها وتقدير ذاتهم واحترام مشاعرهم.. وأخيراً إليكم هذه النصيحة: غضب معاوية - رضي الله عنه - على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.