



-
عبدالرحمن الشمري
الأساس الثاني : جمع المعلومات
لأن القرارات لا بد أن تبنى على المعلومات ولا تبنى على العواطف وعلى التخمينات ، إذ أردت أن تتخذ قراراً لتدخل - كما قلنا - في جامعةً بعينها أو في تخصص بعينه ؛ فإن أول بديهية هي أن تعرف هذه الجامعة ما كلياتها قد لا يكون فيها التخصص الذي تريد فانتهى أمرها في ثوانٍ معدودة ، أو قد لا تنطبق عليك شروطها فانتهى الأمر أيضاً دون الحاجة إلى بذل جهد .
المعلومات التي نحتاج إليها لاتخاذ القرار
1- المعلومات المطلوبة دون غيرها
بمعنى أنه ليس المراد حشد معلومات كثيرة ليست ذات صلة بالموضوع ؛ لأن هذه تشوش أكثر وتصيب بالحيرة بشكل أكبر ، إنما أريد المعلومات الحقيقية المناسبة للموضوع هذا .وكما قلت إذا أردت أن أدخل الجامعة فليس من داع أن آخذ معلومات عن الكليات المتوسطة ولا على المعاهد دون المرحلة الجامعية ولا أن آخذ معلومات عن المدارس الثانوية لأن هذا ليس مطلوباً في هذه المسألة.
2- المعلومات في الوقت لا بعده
لأنه إذا أراد مثلاً أن يعرف موعد التسجيل فعرف اليوم أن موعد التسجيل كان قبل أسبوعين أصبحت المعلومة غير مفيدة فالمعلومات القديمة لا فائدة منها.
3- المعلومات الدقيقة المحددة
المعلومات العامة لا تفيدنا هذه الجامعة جيدة وممتازة لا يكفي ولذلك تجد الدقة في المعلومات - وللأسف - أنها قد تكون في بلاد غير المسلمين أكثر لا يقول لك الجامعة ممتازة وتأخذ المرتبة الأولى ، كلا ! يقولون في تخصص كذا أفضل الجامعات هي هذه وفي التخصص الآخر جامعةً أخرى فليس التفضيل في الإطلاق وليس التحديد على سبيل الإجمال بل هو أمر دقيق محدد فلا بد من مثل هذه الدقة ؛ لأنها من أعظم الأسباب التي تعين على اتخاذ القرار أيضاً من الأمور المتعلقة للمعلومات هي المشروعية لمعنى مشروعية هذه المعلومات الوصول إليها هل هي معلومات توصل إليها لطريق غير مشروع ؛ لأنه يريد مثلاً أن ينشئ عمل تجاري في عمل ما فيذهب ويتلصص أو يسرق معلومات من الذين يعملون في هذا المجال ويكذب عليهم ، ويقول : جئتكم شارياً ، أو جئتكم لأكون شريكاً ثم يأخذ المعلومات ينتفع بها هذا ليس مقبول عند المسلم ؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة في منهج المسلمين .
أيضاً لا يصح الخداع ولا تجوز التقية ، ولا ينبغي أن يكون هناك شيء من المغالطة لمثل هذه الأمور ، طبعاً المعلومة التي تأخذها هل هي مفيدة في الحد ذاته الجواب لا المعلومة تفيد بعد التفكير والتأمل .
خذ مثلاً النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم بدر لما أراد أن يعرف قوة أعدائه وعددهم قال : كم ينحرون من الإبل ؟ فقيل له : كذا وكذا حينها عندما علم هذه المعلومة المعلومة ليست مباشرة في الأمر ، لكن كل ناقة أو كل جمل يأكله عدد من الناس ، قال : القوم بين التسعمائة وألف .. هكذا استنتج من المعلومة بمعادلة بسيطة ، ولذلك لا بد من تحليل المعلومات والاستفادة منها ، وهذا أمر - كما قلنا - مهم جداً .
طبعاً طرق تحصيل المعلومات إما أن تكون المعلومات متاحة ، وإما أن يسعى إليها الإنسان من خلال المقابلات ، أو من خلال الاستشارات أو من خلال الوسائل المتاحة في المعلومات من كتب أو غيرها.
الأساس الثالث : الاستشارة
وما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار .. الاستشارة والمشاورة أمر من صميم ديننا ، وقد أمر به من هو أغنى الناس وأغنى الخلق عن المشاورة .. إن قلنا : إن المشاورة تدل على نقص في عقلً أو تدل على فقر في خبرة ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مبرأ من ذلك ومع ذلك أمر بقول الله عز وجل : { فشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتؤكل على الله }، ووصف المؤمنون بأنهم كما قال الله عز وجل : { أمرهم شورى بينهم } .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( ما رأيت أحداً أكثر مشاورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
وفي الحديث بسند الرجال ورجال الصحيح من حديث عبدالله ابن الزبير رضي الله عنه ( قال المستشار مؤتمن )، وهذا يدل على أن هناك من يستشار وأن الاستشارة مرغوب فيها وأنها تحتاج إلى الأمانة
وكما قال القائل :
الرأي كالليل مسود جوانبه **** والليل لا يـنجلي إلا بمصباح
فأضمم مصابيح آراء الرجال إلى **** مصباح رأيك تزدد ضوء مصباحِ
فإن ملاقحة العقول وأخذ آراء الرجال يكون له أثر محمود في الوصول إلى الرأي الصحيح والاختيار المناسب بإذن الله - عز جل - وهنا نسأل من هو المستشار؟ ومن الذي نأخذ مشورته؟ ومن نسأل إذا أردنا أن نتخذ قراراً هناك أمران اثنان في الجملة صلاح، وكفاية يعني في المر الذي نستشير فيه .
وكما كنت أضرب مثلاً في بعض الموضوعات الأخرى كنت أقول : إذا تعطلت سيارة أحدكم فماذا يصنع وأين يذهب ؟ فأجاب الجميع : بأنه يذهب إلى الميكانيكي الذي يصلح السيارات ! وقلت : ولماذا لا تذهب إلى إمام المسجد ؛ فإنه رجل صالح يحفظ القرآن ويصلي بالناس ؟ فماذا يقول لك ؟ يقول : " هو صالح لكنه غير متخصص .. ليس هذا مجاله " بل هذا قد قاله أهل العلم في الحديث وهذا الذي مثل نضربه في علوم الحديث عند تدريسها ؛ لأن مالك - رضي الله عنه - كان يقول : " أدركت في هذا المسجد - وهو مسجد رسول الله - سبعين مما يستسقى بهم " ، فإذا صلاحهم وتقواهم كلهم لا يؤخذ منهم حديث ، ولم يقال ليس من أهله .. لم يتخصصوا فيه .. ولم ينتدبوا له .. ولم يحفظوا نصوصه .. ولم يعرفوا رجاله فلا يؤخذ منهم ، وليس ذلك قدحاً فيهم ، ولا نقصًا من قدرهم .
فينبغي أن نأخذ جانب الصلاح مع جانب التخصص فإذا أصابتك علة في بدنك فأذهب إلى طبيبً ثم اختر من الأطباء أصلحهم وأورعهم وأتقاهم فتكون قد جمعت بين الحسنيين ، فإذاً في جانب الصلاح الإيمان والصدق والإخلاص الإيمان فالمؤمن لا يكذب ، بل إنه يصدقق وينصح لك والإخلاص والشفقة فلإخلاص يولد الشفقة ؛ فإنه يريد مصلحتك فيخشى عليك المضرة ، وبالنسبة للكفاية علم بالأمر وخبرة فيه وتجربة سابقة فإن من حاز ذلك فإنه يكون أهلاً للمشورة.
ماذا تجني من المشورة والاستشارة ؟
1- أفكار جديدة قد تكون مناسبة وملائمة لا تخطر ببالك ولم ترد على عقلك ، وهذا شيء طبعي ؛ فإن الإنسان يفكر في الأمر فيرى فيه حلان أو ثلاثة ، فإذا سأل غيره زاده واحدة ، وإذا سأل ثالثاً زاده رابعاً ، لكن إذا استشار مائة جاءه مائة حلاً لم يعرف بعد ذلك ما الذي يختار منها يغرق في بحر من هذه الاختيارات ، فلذلك ينبغي أن تكون الاستشارة محدودة بقدر الحاجة - كما قلت - إذا أردت أن تهدي هدية استشر واحداً ممن حولك ، هل أهدي هذه أو تلك ؟ لكن لا تجمع لها كل أصدقائك وكل الخبراء والعلماء حتى يعطوك رأي في مثل هذا ؛ فإن هذا يزيدك حيرة وأيضاً يضيع الجهد والوقت في مثل هذا ، ثم أيضاً يكون في المشورة نوع من تحمل المسؤولية ؛ فإن الإنسان إذا اتخذ القرار وحده فأخطأ عنّف نفسه ولامها ، فإذا كان قد استشار ذوي الخبرة ثم وقع الخطأ كان وضع ذلك على نفسه أخف ، ووطأة اللوم عنده أقل ، ورضاه عمن شهد فيه والأسباب الذي أخذ بها أكبر ، فيكون ذلك أعون له على أن يتجاوز الخطأ وينتفع به في مرات قادمة .
وهذه مسألة مهمة ؛ فإن بعض الناس ينفرد برأيه حتى إن كان الأمر يخصك إن أشركت غيرك ممن تثق به - كما قلنا - وفيه خير ، يكون لذلك أثر .
أيضاً المشورة تفيدك أمر مهماً وهي اكتشاف جوانب الخطأ والكسور فيما قد عرض لك من الخيارات والحلول قد تمضي وتقول إني أريد أن أفعل كذا ، ورأيت أن أقول كذا وكذا ، أو أن آخذ بهذا الأسلوب فيقال لك لكن هذا بالتجربة يؤدي إلى كذا وكذا على الأقل تعرف ماذا يكون في هذا الاختيار حتى وإن اخترته قد يكون هو اختيارك بعد ذلك ؛ لأن أضراره أقل من غيره لكن تعرفها وتتوقعها وتستعد لها ، وهذا أيضاً أمر مفيد جداً .
النقطة الأخيرة في هذا من تستشير من حيث تنوع الناس هناك أصناف من الناس الأقربون والأدنون وأعظم الأصناف في هذا الوالدان والأساتذة والمربين هؤلاء هم أقرب ، وأيضاً أخبر وأكثر حرصاً على الشخص والإنسان والفئة الثانية الخبراء والمستشارون الذين ربما لا يكونون قريباً منك ولا يعرفونك ولا تعرفهم ، لكن عندهم من العلم والخبرة في هذا الشأن ما يجعلهم بصيرين قد مرّت بهم كثير من الأحوال التي قد تطابق حالك وعرضت لهم كثير من المشكلات التي قد تشابه مشكلتك ، فيكون لهم دور فيها والصنف الثالث هم أيضاً الأقربون والأصحاب متى يكون هذا في الأمر اليسير - كما قلنا - وفي الأمر الذي قد يكون صاحبك قد مرّ به أليس بالضرورة أن تكون الاستشارة من الأدنى للأعلى بل قد يستشير الأعلى من هو دونه أو من هو مثله في بعض الأحوال .
وأخيراً نقول : الاستشارة ليست قراراً وإنما سبب ووسيلة معينة لاتخاذ قرار الذي يشير إليك لا يتخذ قرار بالنيابة عنك ولا ينفذ شيئاً إنما يعطيك ما قد تستفيد منه بعض الناس يستشير ، ثم كأنه يقول لمن يستشيره : قم وأفعل بدلاً مني كذا وكذا كأنما إذا استشار أحياناً مثلاً في شأن الزواج يسأل عن هذه الأسرة أو عن تلك المرأة فيقولون : هي صالحة أو فيها خير هل أتزوج يقول له أعطيتك المعلومات ، ثم يقول هل أقدم فيسأل أنت الذي تأخذ المشورة ، ثم تتخذ قرارك لا أحد يتخذ قرار بدلاً منك .
الأساس الرابع : الإمكانات
الإمكانيات والقدرات ؛ فإنه قد تستشير ويكون الأمر أخذاً بهذا الحل ، لكنك إذا دققت عرفت أنك لا تستطيع ، وكل أمر لا تستطيعه تجاوزه إلى ما تستطيع ، وخذ الأمر الأقل حتى تكون أقدر على ما هو أكبر منه ، لذلك من المهم جداً أن يعرف الإنسان إمكانياته ؛ لأن ليست القضية هي اتخاذ القرار .. يتخذ القرار يقول : أريد أن أدخل كلية الطب طيب ما هي الإمكانيات مجموعه 60% ولا يعرف العلوم التي تتعلق بالطب وليس عنده حافظة قوية وهو مهمل ولا يحب الدراسة !
ما من شك أن هذا أمر غير مقبول وهكذا لا قيمة لقرار لا يمكن تنفيذه لا تتخذ قراراً وأنت تعلم سلفاً أنك لا تنفذه ؛ لأن ذلك يفت في عضدك ويشعرك بالفشل ويصيبك بالإحباط ، وهذا أمر مهم تأمل ما كان في شأن الصحابة - رضوان الله عليهم - في يوم بيعة العقبة الثانية لما كانوا نفراً قليلين أمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطوه عهودهم ومواثيقهم ، وكانوا يحملون بين جنوبهم إيماناً متقداً ، ويقيناً كاملاً ، وصدقاً وإخلاصاً فقالوا : " يا رسول الله لو شئت أن نميل على أهل هذا الوادي ميلة واحدة لفعلنا ! " ، وبذلوا للنبي - عليه الصلاة والسلام - هذا الاستعداد وكانوا صادقين فيه ، لكن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي كان ينظر بنور الله - عز وجل - وبتسديد الوحي لا شك ، لكنه أيضاً ينظر بالمقياس البشري والأسباب المادية المطلوب مراعاتها ، قال : ( إنا لم نؤمر بذلك ) .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)