[align=center]لكل حادث ملاقيف[/align]

[align=justify]إذا وقع حادث سير ما - لا سمح الله تعالى - بين سيّارتين ، تجد جماعة من المارة الذين تجمهروا يخططون الحادثَ ويخلصوا إلى نتيجةٍ مفادها : الذي يمشي بسيّارته مع الشارعِ الرئيسي ليسَ عليه خطأ ، والخطأ كله مِنْ هذا القادم مِنَ الشارعِ الفرعي لأنَّه خرجَ بطريقةٍ عرضيةٍ ، وبينما هم مشغولون بمعرفة المخطئ يخرج عليهّم شخصٌ ما ، برأيٍ مخالفٍ تماماً عن رأيهم بقوله : لا يا جماعة الخير ، الخطأ على اللي جاء من الشارع الرئيسي ! تدرون ليش ؟ أنَا أعلمكم : لأنَّه يقودُ سيارتهُ بسرعةٍ جنونيةٍ عاليةٍ ، ثم يعارضه رجلٌ آخرٌ " نكرةٌ لا يعرفُ شيئاً ولا يعرفهُ أحداً " فيغرد بالقول : الخطأُ مشتركٌ عليهما بالتساوي بنسبة 50% لكلٍ منهما وهكذا يتجادلُ الحاضرون في أمرٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل ! قال الشاعر :

فضول الناس أقتل ما نعاني *** يعالج كل معتقــد وزي
يطل برأسه من كل باب *** ويدخل أنفه في كل شيء
وهذا ليس بالمقبول عقلاً *** وهذا ليس بالخلق السوي


عند وقوع الحادث كثيراً ما يتضجّر رجال المرور من هؤلاءِ الملاقيف الفضوليين لأنَّهم يعرقلون حركةَ السيرِ ويعيقون عملهَم وعملَ مسعفيّ الإسعاف بتجمهرهم في مكان الحادث !



ومِنَ الناسِ من يهمهُ أمرٌ هذا الحادث كثيراً ، فتراه يتصل على أصدقائهِ ويدعوهم لحضورِ الحادث ، " كما يدعو لحضور حفل زواج أو وليمة دسمة " وتجده يتحدث بطريقةٍ تشعر مَنْ يسمعه بالاشمئزازِ والقرفِ ، كأنْ يقولُ لصاحبهِ : ألو.......... دريول ...تعال بسرعة لعن أبوحيّك .. لا يفوتك الحادث ترى توهم متصادمين بسرعة وهات معك خنيفس وجليبط وباقي العيال لا تتركهم وتحرمهم ( متعةَ ) حضور الحادث بسرعة !



بعد الحادث ترى العجب العجاب فمنهم مَنْ يريدُ إنقاذ حياة المصابين ويتضح لك أنَّ لديه اهتمام لمساعدة هؤلاء وهو يزعم ذلك ، ولكن بتهوره وعجلتـه يضرهم أكثر مما ينفعهم وقد قيل : " رُبّما أرادَ الأحمقُ نفعكَ فضرَّكَ " فتجده يحملُ المُصابَ بطريقةٍ خاطئةٍ تؤدي إلى كسرِِ رقبتهِ أو تضرر العظام بصفةٍ عامةٍ ! " عامل فيها منقذ وهو أبسط قواعد الإسعافات الأولية لا يعرفها ولو أردت تعليمه إياها وعقدت له دورة لمدة ستة شهور لخرجَ منها كما دخل لا يفقهُ شيئاً "


كما أنَّ بعض هؤلاء الملاقيف الأوباش يهمه أمر الحادث كثيراً فتجده ينطلق بسيّارته مسرعاً ومرافقاً لـسيارةِ الإسعافِ من موقعِ الحادث حتى تصل إلى المستشفى وينزل مِنْ سيارتهِ وغالباً ما يقوم بإيقافها بشكل يجعلك تطرح على نفسك هذا السؤال : هل هذا يملك الشارع حتى يغلقه ؟ بل إنَّ بعضهم يقف بـمدخل سيّارة الإسعاف وبالتحديد أمام بوابة قسم الطوارئ ... المراجعين للمستشفى والمارة في الطريق بدافع التعاطف والرحمة يلتمسون له العذر ، ظناً منهم أنَّ له علاقةٍ قويةٍ أو صلةَ قرابة بينه وبين ضحايا الحادث ، ولكن في الواقع لا يوجد علاقة سوى الفضول وحب الاستطلاع واللقافة الزائدة عنْ حدها !


أما في المستشفى وبالتحديد قسم الطوارئ تجد نفس ملاقيف وفضولي الحادث وقد جاءوا فراداً وجماعات ليقفوا يتجاذبون أطراف الحديث في أزقة ومداخل قسم الحوادث - وما أكثرهم وما أحقرهم - " وهم الذين لا هم له سوى النظر للداخل والخارج من البشر " قال الشاعر :

مَرَرْتُ على الفَضَيلَةِ وهي تَبْكِي *** فَقُلْتُ عَلاَمَ تَنْتَحِبُ الفَتَاةُ
فَقَالَتْ: كَيْفَ لا أبْكي وَأَهْلِي *** جميعاً دُونَ خَلْقِ الله مَاتُوا

ليسألوا بعد ذلك - من يعرفون - عما حصلَ للمصابين هل إصابتهم بسيطة أم بالغة الخطورة وهل هناك مجال للتعرف على الوفيات بسرعة ليكسبوا سبق الحصول على التقرير الطبي الشفوي - غير دقيق في الغالب - لتقديمه وجبةً دسمةً لمَنْ يقابلونهم مِنَ الناس " وهم الذين يتوقون ويتحمسون لسماع مثل هذه الأخبار البائسة " ؟!! وقديماً قال الحطيئة :
لكُلِّ جَديدٍ لَذَّةٌ غَيْرَ أَنَّني *** وَجَدْتُ جَديدَ المَوْتُ غَيْرَ لَذيذِ


كثيراً ما نضحك - وشر البلية ما يضحك - على بعض هؤلاء الأوباش الملاقيف لتسرعهم بدافع الجهل فتجدهم فور وقوع حادث ما ولمجرد أن السيارة التي رأوها تشابه سيارة سين من الناس ، وما أنْ يرى الملقوف تلك الفرصة الذهبية وإذا بهِ قد اتصل على أخيه وعلى أبيه وولد جارهم وعلى أصدقائه والعمدة ليخبر كل هؤلاء بأنّه رأى سيارة وقع عليها حادث شنيع تشابه سيارة ذلك الشخص ويظن أنّه هو ، فيجعل الجميع يعيشون بحالةِ خوفٍ وقلقٍ تجاهه ويبحثون عنْه بكل السبل المتاحة عنْ طريق الاتصال على هاتفه الجوال فإنْ وجدوه مقفلاً أو لمْ يرد عليهم ؛ اتصلوا على رقم المنزل فإنْ لم يرد عليهم أحد أو أخبرهم من في الطرف الآخر بأنّه ليس موجوداً فهنيئاً له في هذه الحالة بإشاعة لبسته ، مفادها : وقع عليه حادث ! وأحياناً يعزي أهل ( الرجل الذي توقع أنّه هو ) بالقول : لا تعبون حالكم ، البقية بحياتكم الرجال عطاكم عمره " الله يروعك ويآخذ عمرك قل آمين "



أخيراً : في حالة وقوع الحادث ، إلزم الصبر كما قال الشاعر :

الصَّبْرُ مِثلُ اسْمِهِ في كل نَائِبَةٍ *** لكنْ عَوَاقِبُهُ أحْلى مِنَ العَسَلِ

والتحري بالسؤال : هل يوجد إصابات نتجت عن هذا الحادث ؟ فإنْ وجد فعليك بالاتصال فوراً بالإسعاف ليحضر المختصين وليقوموا بعمل الإسعافات الأولية للمصابين وبعدها ينقلونهم إلى المستشفى فهذا عملهم واختصاصهم ويجب علينا أنْ نحذر من القيامِ بعملهم لأنه خطيرٌ .... نعم خطير ......... ولا يستطيع عليه سوى المختص ، وإن لم يوجد إصابات في الأشخاص فعليك الاتصال بالمرور فقط ، وسلامتكم ، ووقاكم الله الحوادث وتمنياتي للجميع بقضاء أطيب الأوقات وأسعدها .


كتبه أخوكم / فهيد لزّام
في يوم الجمعة بتاريخ : 8 / 4 / 2005 م
[/align]