لاشيء ... لا شيء يجذبها للحياة من بعد أن مات ابنها الوحيد ..
كل نعيم هذه الدنيا لايعنيها ..
وكل ملذات هذه الحياة لا تغريها ..
فالآلام صارت جزء من قلبها .. والأمراض صارت بضعة منها ..
لقد بلغت من العمر عتيا.. بلغت ثلاثا وتسعين سنة ..
أنهكتها الحياة ودكتها دكا دكا ...

في زاوية الغرفة تضطجع أم راشد على فراشها..
هي الآن لاتريد شيئا من هذه الدنيا سوى النوم إلا أن المرض هذه الليلة اشتد عليها ..وزاد من فتكه فيها ..
تناولت قرصين من الحبوب المسكنة لكن دون جدوى فالوجع يزداد ..
تناولت قرصين آخرين من الحبوب المنومة ..
لكن لافائدة فكأن هذه الأقراص تحرس عيونها من النوم وتطرده ..!

ببطء شديد أدخلت يدها المرتعشة تحت الوسادة لتسحب ساعة قديمة ذات لون بني ..
العقارب تشير للساعة الثانية ليلا ..
الوقت متأخرا .. فمنعها حيائها أن تتصل بجارها ليذهب بها إلى المستشفى ..
تناولت كأس الماء ودوائها لترمي في فمها قرص ثالث من الحبوب المسكنة وآخر من الحبوب المنومة ..
أطفأت الأنوار وانطلق الظلام ليملأ الجو ..وانتشر السكون والسكوت في الغرفة
إلا من عقرب الثواني يسير برتابته المملة تك تك تك تك تك ..

دقائق معدودة وأستسلمت للنوم وذهبت في غفوة لذيذة ..
وفجأة يرعبها صوت قوي يجعلها تقفز من فراشها فزعة.. خائفة ..كملدوغة
لقد قطع نومها صرير كفرات أحد الأشقياء المفحطين في الحارة ..
أغضبها ذلك .. فهي تذكر أن ابنها عاش يتيما لكنها استطاعت - وهي امرأة - أن تربيه ألا يفحط ..
فما بال آباء عجزوا أن يمنعوا أبنائهم من إيذاء الناس ..!؟

عادت الآلام إليها من جديد وعاد المرض ليعثوا في جسمها فسادا وهجرها النوم ..
فجسلت تصارع الحياة من كفرات شقي
ثم رفعت كفها إلى ربها ودعت بكلام لم أسمعه ..