لما رأى المتيقظون سطوة لدنيا بأهلها وخداع الأمل لأربابه وتملك الشيطان وقياد النفوس رأوا الدولة للنفس الأمارة لجأوا إلى حصن التضرع والالتجاء كما يأوي العبد المذعور إلي حرم سيده، شهوات الدنيا كلعب الخيال ونظر الجاهل مقصور على الظاهر فأما ذو العقل فيرى ما ووراء الستر لاح لهم المشتهى فلما مدوا أيدي التناول بان لإبصار البصائر خبط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا إلى الرحيل الثاني ( يا ليت قومي يعلمون) تلمح القوم الوجود ففهموا المقصود فاجمعوا الرحيل قبل الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل فالناس مشتغلون بالفضلات وهم في قطع الفلوات وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح، تالله ما كانت الأيام إلا مناما فستيقظوا وقد حصلوا على الظفر، ما مضى من الدنيا أحلام وما بقى منها أماني والوقت ضائع بينهما.
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه فأن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها وان تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.