بسبب ارتفاع أسعار النفط.. و157 بليون دولار الايرادات المتوقعة من الصادرات النفطية
تقرير اقتصادي حديث يتوقع فائضاً في ميزانية الدولة هذا العام يتجاوز ال191 بليون ريال



الرياض - عبدالعزيز الربعي:
توقع تقرير اقتصادي حديث ان يسجل الاقتصاد السعودي خلال هذا العام 2005م أفضل أداء في تاريخه على الاطلاق، حيث من المتوقع ان يسجل الناتج الاجمالي نمواً يبلغ 26٪ حسب المعيار الاسمي في ظل أوضاع يكاد التضخم ينعدم فيها.
وأفاد تقرير حديث اصدرته مجموعة سامبا المالية السعودية أمس عن الاقتصاد السعودي عند منتصف العام 2005م ان الايرادات النفطية والفائض في ميزانية الدولة الفائض في ميزان الحساب الجاري ستسجل جميعها مستويات مرتفعة بصورة غير مسبوقة نتيجة الارتفاع الاستثنائي في اسعار النفط وفي مستويات الانتاج، مشيراً إلى ان التوقعات توحي أن مجموعة العوامل المتفاعلة سواء كانت نفطية أو سواها بأن هذه الطفرة ما هي إلا بداية وبأنها ستدوم لفترة طويلة وذلك بسبب ان اسعار النفط المرتفعة لا تحركها أزمة في السوق بل نمو فعلي في الطلب وشح في الامدادات العالمية والتي من المرجح ان تستمر لسنوات تعود بالفائدة على السعودية على وجه الخصوص اضافة إلى توسع البنوك السعودية في عمليات الاقراض إلى الأفراد والشركات بحوالي 75٪ من اجمالي النمو في القاعدة النقدية بالمملكة.

وتوقع الخبراء في الدائرة الاقتصادية بمجموعة سامبا ان تبلغ ايرادات الصادرات النفطية 157 بليون دولار مرتفعة بمعدل 48 بالمائة فوق ايرادات عام 2004 البالغة 106 بلايين دولار والتي جاءت مرتفعة في حد ذاتها.

وأن يبلغ الفائض في ميزان الحساب الجاري 96 بليون دولار أو ما يعادل 30 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي مسجلاً بذلك سبعة أعوام متتالية من الفائض، وسيسجل فائض في ميزانية الدولة يبلغ 191 بليون ريال وذلك بعد تخطي مستوى الإنفاق في الميزانية بمعدل 20 بالمائة اضافة إلى نمو في الموجودات الأجنبية لدى البنك المركزي بمبلغ 47 بليون دولار لترتفع الموجودات بذلك إلى 135 بليون دولار بنهاية العام 2005. ويعني هذا التحسن في أوضاع الموجودات الأجنبية لدى البنك المركزي غياب الضغط لفك الربط في سعر الصرف في المستقبل المنظور.

أما ما يخص الدين الحكومي سوف يمثل 51 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي منخفضاً من أعلى مستوى له عند معدل 119 بالمائة سجله منذ 6 سنوات. لكن يظل الدين برمته محلياً ومقوماً بالريال وتمسك 75 بالمائة منه جهات حكومية، أي ان أوضاع مديونية الدولة تعتبر الآن جيدة.

ورجح التقرير ان ينمو الناتج الاجمالي الفعلي بواقع 6,5 بالمائة عاكساً ارتفاعاً في انتاجية كل من قطاعي البترول والأعمال بلغ 7 بالمائة ونمواً أقل في القطاع الحكومي دون مستوى 4 بالمائة.

واستندت توقعات الخبراء على اعتقاد ان سعر الخام السعودي سيبلغ 45 دولاراً في المتوسط هذا العام، أي ما يعادل 51 دولاراً للبرميل من خام تكساس القياسي، كما توقع ان يبلغ متوسط انتاج السعودية من النفط الخام 9,6 ملايين برميل في اليوم.

وحول متوسط أسعار النفط هذا العام توقع التقرير ان يبلغ متوسط الأسعار هذا العام 51 دولاراً للبرميل. وكنا قد توقعنا أيضاً ان ينتج عن تراجع الطلب تراجع في الانتاج السعودي مما يؤدي لخفض المملكة لانتاجها دون مستويات عام 2004 البالغة 9 ملايين برميل/ يوم في المتوسط. لكن وعلى النقيض من ذلك نتوقع الآن ان يبلغ الانتاج السعودي حوالي 9,6 ملايين برميل/ يوم في المتوسط.

أما قوة أسعار النفط الحالية فمردها إلى النمو المرتفع في الطلب عليه وليست إلى شح الامدادات منه. ويتناقض ذلك مع أسباب ارتفاع أسعار النفط السابقة (في السبعينات والتسعينات وفي عام 2003) التي حركتها أزمات نتجت عن قصور في الامدادات. وقد عُزِي ارتفاع الأسعار في بادئ الأمر عندما اتخذت اتجاهاً صعودياً متواصلاً في أوائل عام 2004 خارج النطاق السعري الأعلى المستهدف من قبل منظمة الأوبك والبالغ 28 دولاراً للبرميل. عزي إلى المخاوف من نقص الامدادات من عدد من البقع الساخنة مثل العراق وفنزويلا ونيجيريا وروسيا. لكن نجد اليوم أن معظم تلك المخاوف الجيوسياسية قد خفتت حدتها وتحول التركيز إلى النمو في الطلب.

وأبان التقرير ان منتجي النفط يجتهدون في الوقت الراهن في تزويد السوق بأكبر قدر من الامدادات من أجل استيفاء الطلب، وتعمل صناعة النفط العالمية عند مستويات لن تسمح لها إلا بقدر محدود من المرونة لمجابهة أي قصور في الامدادات إذا جد مثل ذلك الظرف ، وتظل السعودية المنتج الوحيد الذي يحتفظ بطاقة انتاجية احتياطية يركن إليها تبلغ حالياً 1,4 مليون برميل/ يوم وذلك عند مستوى انتاجها الحالي البالغ 9,6 ملايين برميل. يوم مقارنة بالطاقة الانتاجية القصوى لها البالغ 11 مليون برميل/ يوم.

وأشار التقرير ان السعودية ومنظمة الأوبك لم تعلن بصورة عامة سعرا مستهدفا للنفط حالياً. وقد تخلت المنظمة عن النطاق السعري المستهدف البالغ 22 - 28 دولاراً/ برميل في يناير هذا العام. ومن ضمن الاعتبارات الأساسية للسعودية في هذا الصدد اثر ارتفاع الأسعار على النمو الاقتصادي العالمي. وكما ذكرنا أعلاه، فإن الخطر الرئيسي لأسعار النفط المرتفعة يتمثل في التسبب في تباطؤ النمو في الولايات المتحدة والصين وعند مستوى 60 دولاراً للبرميل يبدو ان هناك بعض العلامات المبكرة وارتفاع شعبية السيارات الهجين مرتفعة الكفاءة في استهلاك الوقود. لكن ليس هناك من دليل بعد أن الأسعار الحالية تسببت في تباطؤ اقتصادي أشمل رغم ان احدى مؤسسات التحليل الرئيسية قد خفضت من تقديراتها للناتج الاجمالي الأمريكي بواقع0,25نقطةمئوية هذا العام بسبب ارتفاع أسعار النفط على وجه التحديد.

وقدر ان السعودية ومنظمة الأوبك سوف تتدخلان لحماية حد أدنى لأسعار النفط عند حوالي 40 دولاراً للبرميل إذا ما قدر ان تنحدر الأسعار، وان النطاق السعري 40 - 50 دولاراً للبرميل لن يتسبب في آثار سلبية في معدلات نمو النواتج الاجمالية العالمية في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية السائدة.

أما أهم التداعيات للسعودية فهي ترجيح استمرار الأوضاع القوية للايرادات النفطية وذلك في تقديرنا أحد العوامل الأساسية التي بنينا عليها رأينا بأن الطفرة الحالية في الاقتصاد السعودي ستكون مستدامة لسنوات عديدة.

وقال ان المملكة قبضت عام 2004 ما قيمته 106 بلايين دولار من عوائد صادرات النفط نتيجة تضافر عاملي الأسعار والانتاج المرتفعين. ما شكل أعلى مستوى انتاج لها على مر التاريخ وأعلى كثيراً من متوسط الأعوام الخمسة السابقة البالغ 69 بليون دولار. ونتوقع ان تبلغ عوائد صادرات النفط 157 بليون دولار في عام 2005 وذلك عند متوسط سعري يبلغ 45 دولاراً للبرميل من الخام السعودي ومتوسط سنوي للانتاج يبلغ 9,6 ملايين برميل. يوم.

وحول الاقتصاد الكلي توقع التقرير نمواً اسمياً في الناتج الاجمالي قدره 26,1 بالمائة ونمواً فعلياً في الناتج الاجمالي قدره 6,5 بالمائة في عام 2005. وتنبني توقعاتنا هذه على النمو الشامل لكافة أوجه النشاط الاقتصادي السعودي. ونعتقد فيما يتعلق بالنمو الفعلي (الذي يقيس الانتاج وليست الأسعار المدفوعة مقابل ذلك الانتاج). نعتقد ان القطاع الخاص غير النفطي سينمو بنفس وتيرة نمو القطاع النفطي وربما أسرع منه قليلاً بمعدل يفوق 7 بالمائة. لكن نسبة للأسعار الأعلى المدفوعة للنفط هذا العام مقابل العام السابق فسوف يتخطى النمو الاسمي في القطاع النفطي (49 بالمائة) النمو الاسمي في القطاع الخاص غير النفطي بمعدلات مرتفعة (8,9 بالمائة).

ومن شأن الفرق بين الناتج الاجمالي الاسمي البالغ 26,1 بالمائة والناتج الاجمالي الفعلي البالغ 6,5 بالمائة ان يخلق نوعاً من الارتباك حيث لم يشهد الاقتصاد المحلي تضخماً يذكر. أما سبب النمو المرتفع في الناتج الاسمي فهو أسعار النفط العالمية المرتفعة والتي بالطبع تصب في مصلحة الاقتصاد السعودي ولا علاقة لها بالتضخم المحلي. وعند تعديل الناتج الاسمي للتغير في الأسعار للوصول إلى الناتج الفعلي يؤخذ في الاعتبار التضخم المحلي وكذلك التضخم في أسعار الصادرات. ونجد ان السبب في الفرق بين الناتج الاسمي والفعلي يعزى إلى ارتفاع الصادرات السعودية وخصوصاً النفط وبالطبع فإن الاقتصاد السعودي استفاد فعلاً من ارتفاع أسعار الصادرات لذا فإن ارتفاع الناتج الاسمي بمعدل 26 بالمائة يبدو «فعلياً» جداً حيث تتعادل الزيادة في القوة الشرائية مع الزيادة في الناتج الاسمي.

وبعبارة بسيطة نعتقد ان معدل النمو البالغ 26 بالمائة في الناتج الاجمالي الاسمي بصفته المعيار الأشمل لقياس النمو في الاقتصاد السعودي يعكس بصورة أفضل الأوضاع الحالية مقارنة بالنمو في الناتج الفعلي البالغ 6,5 بالمائة ويعزى ذلك لأسباب واضحة هي ان السعودية تستفيد من ارتفاع أسعار النفط العالمية.

وقال التقرير إن أحد أبرز ملامح الاقتصاد السعودي عام 2005م هو الزيادة الملحوظة في مستوى الاستثمار في الأصول الثابتة مثل الأبنية والآليات والشاحنات. وقد ظلت تلك الاستثمارات كنسبة من الناتج الإجمالي ثابتة نسبياًخلال الفترة 1990 إلى 2004م عند مستوى 18 بالمائة من الناتج الإجمالي، بينما بلغ متوسط النمو في الناتج الإجمالي 1 بالمائة فقط خلال حقبة التسعينات.

وقد تزامن النمو المنخفض خلال حقبة التسعينات مع تدني مستوى استثمارات الشركات، أو ما يعرف بصورة عامة ب«هيكل الاستثمارات الرأسمالية». إضافة، اتصفت تلك الاستثمارات بنوع من التورم، أي أنها تركزت في قطاعات قليلة (الحكومة والتبروكيمائيات في بعض السنوات).

وأفاد أنه يتعين أن تجتهد السعودية لتحقيق نسبة استثمارات تبلغ 25 بالمائة من الناتج الإجمالي. ومن شأن هذه الاستثمارات أن تمهد الطريق للنمو في المستقبل، حيث إن نسبة 18 بالمائة من الناتج الإجمالي خلال حقبة التسعينات كانت أقل كثيراً من أن تستحث النمو. ويوضح التاريخ أن الدول التي تمتعت بفترات طويلة من النمو الاقتصادي المرتفع خصوصاً الدول النامية التي تسعى للحاق بالركب تراوحت معدلات استثماراتها من الناتج الإجمالي بين 25 - 50 بالمائة، وتشمل الأمثلة على ذلك الولايات المتحدة خلال فترة الثورة الصناعية فيها (أوائل القرن العشرين) واليابان وألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، والنمور الآسيوية (سنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، الخ) وذلك خلال حقبة الثمانينات من القرن الاضي، والصين حالياً.

وفي حالة الصين حيث تراوح نسبة الاستثمارات الرأسمالية بين 40 - 50 بالمائة من الناتج الإجمالي هناك قلق من أن الإفراط في الاستثمارات قد أصبح غير كفؤ ومهلهل وسوف يؤدي لظهور طاقة إنتاجية فائضة كبيرة في بعض الصناعات وفي المساكن، إلخ، لذا فإن الاستثمار غير المحدود أو المرتفع غير صحي بنفس القدر. ويبدو أن الاستثمارات بعد وصولها إلى مستوى 40 - 50 بالمائة تبدأ في الانفلات، لذا نعتقد أن 25 بالمائة من الناتج الإجمالي تمثل حداً مناسباً لدعم نمو قوي في السعودية لكنه قابل للسيطرة عليه في نفس الوقت.


يتبع