لابد للمرء أن يزل بحماقة في موقف ما يمر عليه - بحمد الله - مرور الكرام ، ويتحول بعد حين إلى حديث عابر في مجلس سمر يهدف من خلاله رسم البسمة على وجوه مسامريه ، ولكن يحدث لدى البعض أن يستمروا بحماقة لايدركون خطرها ولايعون بآثارها ؛ إلى أن يأتي يوم أسود عليهم يتلقون فيه صفعة قوية تجتمع فيها نبرة التهديد والنصح في آن واحد ، قد يستمر ألمها زمنا يطول أو يقصر ولكنها - كما ذكرت - تجمع التهديد بعدم العودة إلى مثل تلك الحماقة والنصح ممزوجا بالعطف ومسقيّا بالرحمة ، فهل وجدت هذه السُّقيا في مدارك هؤلاء أرضا نديّة ومهيعا فسيحا يعون من خلاله أن تلك الصفعة ( فعل ) إنما نتجت عن ( قول ) أحمق بلا حول من القائل ولاقوة ؟؟
فلا تكونوا ممن قيل فيهم :
أشغلُك فيما سوف تكره غِبَّهُ ؟! * * * * كذلك في الدنيا تعيشَ البهائمُ
إن القلب لايستطيب إلا أن يُجاب عن سؤال محير : لماذا نعود إلى طريق أثبت الزمان والتأريخ أن آخره الفشل والسقوط ؟!
طريق الخوارج نهايته ( الفشل ) وكفى :
اقرأ التاريخ إذ فيه العبر * * * * ضل قوم ليسوا يدرون الخبر
فـ ( فعل ) الخوارج يقابل بـ ( فعل ) خصومهم ، والنصر في النهاية لخصومهم من الدول ونحوها ، حكم راسخ أثبته التاريخ على مرّ الدهور وسطره الزمان على صفحات العصور ، ولو قاد ( فعل ) الخوارج أتقاهم لله وأقربهم عبادة .
بقي قلة - هم من بدأنا الحديث عنهم - تلبسوا ثيابا ليست على مقاسهم ، ودخلوا حدودا ليست لأمثالهم ، ففوجئوا
بتلك الصفعة التي لم يتوقعوا أن يتلقوا مثلها يوما ما ، والحمدلله على كل الحال ، فلعل تلك الصفعة منعت عنهم أمورا أكبر وأخطر عليهم ، تبكي أحبابهم فتوقد النار في قلوبهم ، فهلا اعتبرنا بعد أن انطفئت آلام الصفعة وهلا رحمنا أحبابنا من أن نحرق قلوبهم مرة أخرى ، وهلا عطفنا على أحب القلوب إلينا وأرحمها بنا ... ( قلب الأم ) لماذا هذه القلوب القاسية ؟! لماذا هذا الجفاء المقيت ؟!
إن الطريق الذي سبب هذه الصفعة نهايته أوضح من الشمس ، إما إزهاق أرواح سالكيه أو رميهم في غيابة الجبّ وأتون المهالك والمصائب أو انتكاس قبيح . وكل هذا لأجل ماذا ؟؟ لأجل هوًى غلاب وشهوة خفية حقيقتها حبّ الشهرة وعجز عن بلوغ رياض المتقين من علم وعبادة وصيام وصلاح وقيام وحفظ قرآن وتدبر ... لا لا .. هذا صعب عليهم ، والأسهل من ذلك أن تسب دولة و ( تحش ) في عالم وطالب علم لكي تصبح ( جهادي ) ونحو هذا ، وماهو إلا تزييف قبيح وغطاء واضح لمنفذ فتحوه يحاولون عن طريقه أن يزاحموا ( المحدثين ) و ( الفقهاء ) و ( المفسرين ) بكلمة( الجهاديين ) .... لاوالله : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) تُـركت الإجابة لوضوحها ، والجهاد أسمى وأعلى وأعظم من هذه المهزلة الحالية .

أخيرا :

هي نصيحة أخوية ، وخاطرة واردة : اتقوا الله عز وجل ، وحاسبوا أنفسكم ، وارحموا أمهاتكم وأهليكم وإخوانكم ، فلنبتعد جميعا عن ذلك الطريق النتن ، والزقاق المظلم ، والمسلك الوعر ، ولننتقل إلى الأرض الندية والبنية القوية إلى كتاب الله عزوجل إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إلى مجالس الذكر الحقيقية التي نذكر فيها تقوى الله وذكره وتفسير كلامه ومذاكرة كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلننطلق نأمر بالمعروف بالمعروف وننهى عن المنكر بغير منكر...أما ذلك الطريق فلا يسلكه إلا من هو في حماقة هبنّقة وغفلة جحا وغباء أبي غبشان .


وصلى الله على الحبيب وسلم

هذا رابط موضوع كتبته من قديم ، مهم ومكمل لهذا الموضوع :
وكل يدّعي وصلا بليلى........من سرق فضيلة الابتلاء؟؟!