الدنيا دار الأشقياء ، هل من ماش فيها بأمان ؟؟ الحياة فيها مريرة من شقاء مافيها ، تأملوها قليلا ليرجع تأملكم عن حلم ضائع ، وخوفٍ من المُستقبل ، وأحزان من ذكريات الماضي .
قالوا : لاتحزن ... مامضى فات ، فاطوه بالنسيان .
قلت : تناسي الماضي كذبة استغلها المتاجرين بسعادة الناس ، نعم هناك من ينسى ، ولكن من المستحيل أن يتناسى المرء فينسى . إن في القلب ذكريات مؤلمة ، أو قل : في كل ذكرى أشلاءٌ من قلوبنا ، فكان النسيان الفطري نعمة لنا ، حيث ننسى بعض هذه الذكريات ، فاحمدوا الله على هذه النعمة !
وقالوا : مامضى فات والمؤمل غيبٌ ***** ولك الساعة التي أنت فيها .
قلت : صدقتم ، ولكن الماضي مرتبط بالمستقبل والضحية ... الحاضر ، أرأيتم لو جاءكم ناع يطلب منكم أن تنعوا موت الإبن عند والده ... أليس موت الابن من الماضي ، ونعيه عند والده من المستقبل ، وهمّ اخبار الوالد بوفاة الإبن من الحاضر ؟؟ .... بلى !
رحماك يارب !
كنت قبل عدة أعوام جالسا مع اثنين من الأحبّة ، نستذكر مامرّ علينا من أحداث مريرة فقد كل واحد فيها حبيبه وخليله من الأقارب والأصحاب ، نحكي مامررنا به من مرارة الفراق ، وألم الإفتراق ، فقال ثالثنا : الحمدلله ! لم أجرّب من الذي عايشتماه شيئا !
ردّ عليه صاحبي الثاني : ستعايشها ياصديقي ، فلاخلود إلا في الجنّة أو النار نعوذ بالله من عذابها .
قال صاحبنا : ومايدريك لعلي أموت قبل الخلان ، فلاأعايشها !
ردّ الثاني : عندها ستكون المصيبة عليك أعظم ، إذ مصابك يكون في نفسك .
إنّه قدر الله !
التفت يامسكين من حولك ، وانظر كم فقدت ممن أشعل فراقه أحزانك ، واسأل نفسك : هل توقفت لأجلهم الحياة ؟
[align=center]ماتوا فما ماتت الدنيا لموتهم ***** ولاتعطلت الأعياد والجمع[/align]
اسأل نفسك : ماحالك حين تحس بموعد موتك ؟؟
لقد أثبتت العديد من القصص التي عايشها أناس كثر ، أن بعض الناس يحسّ بدنوّ أجله ، فتكون من ذلك العجائب من القصص المؤثرة :
حدثني من أثق به من طلبة العلم : أن قريبًا له ممن ألبسه الله لباس الصحة والعافية ، وممن رزقه الله من زينة الحياة الدنيا ( المال والبنون ) ، استيقظ في ليلة من الليالي ، وأيقظ زوجته ثمّ طلب منها أن تجمع أولاده ، فلما اجتمعوا عنده ، أخذ يحوقل ويسترجع ، ثمّ قال : لايبقى إلا وجهه - سبحانه - ، أو كلاما نحو هذا ، ثم رجع فنام نومة لم يستيقظ منها ، غير أنه بُدّل فراشه بالتراب ، والوسادة باللحد ...... رحمه الله تعالى .
وذكر عن الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله تعالى - أنه أحس بدنو اجله قبل شهر من وفاته ، وأخبر أهله وأصحابه بذلك ، قال ذلك صهره عصام مدير في حوار مع قناة العربية .
وكان لي قريب قبل عدة سنوات ، دخل على أهله في يوم من الأيام ليلا ، فطلبت منه زوجته أن يقوم ببعض أعمال البيت في الغد ، تقول : فطأطأ رأسه ببسمة مشوبة بحزن وقال : مانلحق على بكرا ... مانلحق على بكرا . ومات في الصباح يرحمه الله .
وقبل سنوات قليلة جئت احدى المستشفيات لزيارة صاحب لي في العناية المركزة ، دخلت عليه سلمت ودعوت له التفت بجانبه ، فوجدت شيخا مسنا على سرير يجاور سرير صاحبي ، فاقتربت منه وسلمت عليه ودعوت له ، فهش لي وبش كأنه شاب في كامل صحته - مع وجوده في هذا المكان - ودعا لي ، وجلست عندهما ردحا من الزمن ثم ودعتهما ، وعدت إلى صاحبي بعد يومين ، فإذا ذلك الشيخ مضطجعٌ على فراشه ، وليس عليه غطاء ، وحوله أربعة من الشباب - أظنهم أولاده - يبكون بصمت ، والشيخ يرتعد وترتعش أطرافه ، والعرق قد بلل ثيابه ، وهو يهمس بكلام متتابع غير مفهوم ، ويبدو عليه الألم الشديد ، وأولاده لاحول لهم ولاقوّة ، فالتفت لصاحبي فإذا هو على مثل حالهم يبكي ويذكر الله ، فعلمت أن ذلك الشيخ يحتضر ، ولم أطق الجلوس فخرجت من هول مارأيت ، فعلمت بعدها أنه توفي من الغد ، توقف قلبه ولم تنفعه صواعق الكهرباء ....... يرحمه الله تعالى
هذه نهاية كل حي ، هذه نهايتي ونهايتك ، فلتردد معي ياأخي قول الجبار - جل جلاله - : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) .
ختاما /
قد يسأل سائل : ماهي خلاصة ثرثرتك ؟
أقول : لست أدري ...... ولكن أمرّوها كما جاءت ، واكتفوا من القلادة مايحيط بالعنق !
دمتم على خير حال .
مواقع النشر (المفضلة)