وقال حمودة في ضوء وثائق عديدة متوفرة لديه: توجد عشرات الشركات غير الربحية تتلقى تمويلاً أجنبياً غالباً ، وأضاف: إن بعض مؤسسات المجتمع المدني تتلقى دعماً مالياً يصل إلى 50 مليون دولار أمريكي . ومن الجدير ذكره أن الدَّعم إنما يخصَّص للجمعيات التي ليس لها توجه إسلامي أما الجمعيات الأهلية ذات التوجه الإسلامي فليس لها نصيب فيه. ولم يغب هذا الارتباط بين مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم عن الليبراليين العرب ، حيث أكده الكاتب نايف العبود في ''الحوار المتمدن'' بقوله: لقد تجاوزت منظمات المجتمع المدني حدودها الجغرافية الوطنية لتندمج بالمنظمات الأخرى خارج الحدود لتؤلف بذلك مجتمعاً مدنياً كوكبياً، تميز بمستوى عالٍ من التنسيق و توحيد المواقف معتمدةً على شبكات الانترنت ، و كان لذلك أثره في تجميع الصفوف .

ولنا أن نتساءل : تجميع الصفوف لماذا ، وضد من ، ولصالح من ؟. المعارضة في الدولة المدنية وأما سؤالك الخامس ، والذي تنكر فيه أن يكون في الدولة المدنية معارضة تشكل قوة ضغط وتهديد للقيادة . فقل لي بربك ، هل سمعتَ بواحد من فلاسفة الدولة المدنية ومنظريها يشدد على وجوب السمع والطاعة وينكر المعارضة وينهى عنها ؟.

ألم تقرأ كلام الليبرالي شاهر أحمد نصر في الحوار المتمدن الذي جعل المعارضة عنواناً للوطن فقال في معرض اعتراضه على بعض الأنظمة العربية ما نصه :'' وإضعاف المعارضة التي هي عنوان الوطن ''. وهل سمعتَ بمعارضة قامت لتأييد النظام ولا تشكل قوة ضغط عليه ، وإنما تنافح عنه وتعوَذه بالمعوذات والرقى الشرعية صباح مساء خوف العين والحسد ؟. بل أنت قل لي من أين تصورت هذا لأنك لن تجد من جاء به إلا إذا أضفت هذا إلى مفهومك الفريد في الدولة المدنية وموافقتها لجوهر الإسلام ؟.

وأما ما ذكرته أخي قينان أني لا أرى دولة دينية وأتطلع إلى وجودها وفقاً لقولك :''ولأنه لا يراها في واقع المملكة التي هي في الواقع دولة مدنية شرعها الإسلام لا دولة دينية يحكمها رجال الدين، أقول لأنه لا يراها فإنه يتطلع إلى وجودها ، ولذلك بدأ بالترويج لمسمى ''الدولة الدينية'' مع تطبيقه على المملكة واتخاذها أنموذجاً له. وأنا حين أقول أرجو أن يكون بريئا فلأنني لا أظن الدكتور لا يعرف ما هي الدولة الدينية ''. فاعلم أخي قينان أن العقلاء يحكمون على المتكلم بإقراره لا بدعوى غيره فقولك عن الدولة الدينية أنني أتطلع إليها وأروَج لها وأَجعلُ من المملكة أنموذجاً لها ، فجوابه أنه لا حاجة إلى أن أتطلع إلى وجودها ، فهي قائمة بحمد الله وستبقى قوية ، وإن شاء الله سيعجز العلمانيون عن تطويعها وشعبها وتحريف نظامها ودستورها ، وما هذا العراك معك إلا لتكبير الحرف وتوضيح الصورة من أجل أن أبرهن لك بالمادة الأولى من نظام الحكم أن السعودية دولة دينية ، ولكن ليست بمفهومك الفريد ـ وإن سرني تراجعك في مقالك الأخير والتسليم بالدستور والوحدة والقيادة ـ الذي تريد به أن تقيس حكومات إيران وطالبان وحماس على المملكة ، والحكومات التي تعني ، إنما جاءت بعد الحكم السعودي بعقود طويلة ، ولست أدري كيف يصح قياس المستقدم على المستأخِر والأصل قياس المستأخِر على المستقدم إلا إذا قلنا أن ابن تيمية ينقل عن الحوثي في اليمن أو متأثر به !!.

ولا يفوتني هنا أن أنبهك إلى خلط وقعتَ فيه وهو اعتبارك حماس دولة دينية وأنت صحفي يعرف الفرق بين الحكومة والدولة ، فحماس حكومة وليست دولة ، وهناك فرق كبير بين الدولة والحكومة يعرفه الصحفيون والوعاظ والعوام. ولا أدري كيف جف مداد قلمك عن تمثيل الدولة الدينية بإسرائيل ، التي يصنفها الدكتور عبد الوهاب المسيري بأنها دولة دينية متطرفة ـ مع أنه لم ولا يرأسها أحبار يهود ـ في سياق كلامه عن تناقض إسرائيل بين ما هو علماني وما هو ديني فقال بالحرف الواحد : '' عندما نقول إن إسرائيل دولة دينية فهي دينية متطرفة أيضاً !! ، بل إن قوانين إسرائيل نفسها لا تجد حرجاً في وصف إسرائيل بالدينية ''.

ويقول الكاتب محمد خليفة في مقال بعنوان '' درس في مقاطعة إسرائيل '' نشرته صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 23/10/2005 :'' ولا يجرؤ أحد من حكّام إسرائيل أن يقول: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، لاعتراف الجميع بأن إسرائيل دولة دينية عنصرية '' .أما كان الأولى بك من باب الإنصاف أن تعرج على إسرائيل فتصفها بأنها دينية كهنوتية، أليس أول رئيس لها وأول رئيس وزراء كانا يرأسان منظمتين يهوديتين وهما ديفيد بنغوريون ( أول رئيس وزراء ) وحاييم فايتسمان ( أول رئيس للدولة) ؟.

ثم ، هل تليق الشماتة بإخوانك في فلسطين وهم في حصار العدو وعجز الصاحب ؟!، أعيذك بالله أن يكون هذا هو كل ما عندك للمسلمين في فلسطين. وهلا وسعك ما وسع دولتنا السعودية أيدها الله التي لم تألُ جهداً في دعم حماس المنتخبة بإرادة الشعب ؟.

عموماً الدولة الدينية ليست سبة أو عاراً ينبغي الحذر والتحذير منه ، إلا على مفهوم الغرب في نشأة الكلمة المدنية للتخلص من الثيوقراطية وحكم رجال الكنيسة أو الحكم الإلهي أياً كان يهودياً أو نصرانياً. وإذا رفضت أن تعترف بأن المملكة دولة دينية لزمك القول بأنها دولة لا دينية أو دولة إسلامية غير دينية أو دولة إسلامية علمانية ، وليس هناك منزلة بين منزلتين . إلا على التفصيل الليبرالي والعلماني الذي يتدرج في فصل الدين عن الدولة وخطواته معروفة لديك .