.
.
.
حزب الله وخطورة انتزاع التفويض باسم الأمة !

الكاتب : أ . الخفاش الأسود .

لم يكن لبنان بحاجةٍ إلى شرارة الخطف الأخيرة، أو القصف بصواريخ الكاتيوشا من قبل ما يعرف بالمقاومة الإسلامية ليستباح حماه مرةً أخرى على يد اليهود، فأجواء لبنان كلأ مباح أمام طائرات الإف 16 وطائرات الاستطلاع اليهودية منذ التحرير وإلى ما قبل التصعيد الأخير، كما الجرح العربي المتسع إلى أقصاه منذ رحيل المستعمر الأجنبي وحلول المستعمر العربي مكانه، ولم تكن المقاومة الإسلامية حماس، أو ما يعرف بالمقاومة الإسلامية ( حزب الله ) كما تطلق على نفسها بحاجةٍ إلى أن تلام من قبل الفرسان الثلاثة ( مصر والسعودية والأردن ) فقاسم الرؤوس العربية من المحيط إلى الخليج، الخنوع والذلة وتقديم التنازلات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

هناك فرق جوهري بين موقفٍ سياسيٍ يخضع للظرف الآني، وموقفٍ سياسيٍ يخضع للظرف الاستراتيجي، الأول عاطفي بحت، والثاني له أبعاده ورؤاه العميقة مهما عظم الثمن واشتد الألم، كان موقف المملكة الأخير موقفاً آنياً لا استراتيجياً، يهدف كما يقول المصدر إلى تخفيف حدة الاحتقان، وكبح جماح المغامرات ! ولا مغامرة في الحرب المتوارية خلف الرماد، لا أتحدث بلسان حزب الله، ولا بلسان حركة المقاومة الإسلامية حماس، فلكلٍ من الحركتين أجندتهما الخاصة، وأنا شخصياًَ لا ألوم مختلف الفصائل الفلسطينية على رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، على قيامها بخطف الجندي الإسرائيلي الفرنسي ( جلعاد ) وقتل الآخران، فباعها طويل وذراعها قاسية للغاية، وهي تستحق الإعجاب وتنتزع التصفيق، ويكفيها فخراً أنها طوّرت صواريخ ( القسام وعطايا ) حتى وصل مداها إلى خمسة عشر كيلو متراً !! تحت أقسى ظروف الحصار والاغتيالات والقصف العشوائي .

نفدت خيارات الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال، ولم يعد أمامه سوى الموت أو الموت، أو كما قال مطر : لا خيار أمام الشاعر الحر سوى أن يموت أو يموت ! مواقف القيادات الإسلامية الفلسطينية ليست عاطفية ولا آنية، بل استراتيجية بحته ذات أهدافٍ بعيدةٍ للغاية، وهي تعمل وفق القاعدة التي تقول : فإما حياة تسر الصديق - وإما ممات يغيظ العدا، هذا التوازن العاقل من قبل حركة المقاومة الإسلامية حماس، يطيعنا كامل الحق في منحها الثقة المطلقة المشفوعة بدعواتنا الحارة وتبرعاتنا المتواضعة .

لم يكن موقف حزب الله الأخير مغامرةً ليست مأمونة العواقب كما قيل، بل هي عملية عسكرية شرعية تماماً، جاءت في الوقت المناسب وبعد صبرٍ طويلٍ وإعدادٍ ذكيٍِ من قبل الحزب، بغض النظر عن جميع الخلافات العقدية التي لا تجمعنا نحن أهل السنة بالحزب ولا كرامة له، فلبنان دولة محتلة حتى الساعة ( مزارع شبعا ) والمقاومة اللبنانية ( حزب الله ) ترى أن العشرات من جنودها ورجالها لا يزالون أسرى تحت سياط الجلاد اليهودي في السجون والمعتقلات، على رأسهم عميد السجناء العرب سمير القنطار، وهي تسوق نفسها ليس للشعب اللبناني فحسب، بل للأمة بأسرها كحركةٍ جهاديةٍ ذات أهدافٍ نبيلةٍ !

استكمل حزب الله بناء مؤسساته المدنية والعسكرية والاجتماعية في لبنان، بل وحتى في الخارج تحت غطاءاتٍ عدةٍ، ولديه رجاله وأركانه وأعوانه، وهو بحقٍ حزب يصعب اختراقه للغاية من قبل العدو، غير أنه يخضع كما يخضع غيره من الأحزاب الشيعية إلى ذراع الأخطبوط الإيراني الواسع، الذي يسعى جاهداً لتصدير ثورة إمامه الخميني منذ الثمانينات وحتى الساعة، وحزب الله لا يختلف كثيراً عن منظمة بدر ( الحكيم ) وحزب الله السعودي ( حسن الصفار ) وحركة المحرومين ( صبحي الطفيلي ) وحركة الجهاد الفلسطينية التي وصف زعيمها رمضان شلح حسن نصر بخميني العرب ! بعد تحرير الجنوب اللبناني سنة 2000 .

لبنان دولة صغيرة الحجم، كثيرة المشاكل، وهي لا تبحث عن المشاكل، بل تسعى إليها المشاكل تباعاً، معززةً بالاختلافات العرقية والعقدية التي تعج بها، كانت لبنان مسرحاً لتصفية الحسابات في ذروة الحرب الباردة بين مختلف الأطراف المؤيدة أو المختلفة مع المعسكرين الشرقي والغربي، فمن بيروت فر جاسوس القرن كيم فيلبي الرجل الثاني في الاستخبارات البريطانية والتي تعرف بال M6 كما ذكر ذلك بيتر رايت صاحب كتاب صائد الجواسيس إلى الاتحاد السوفيتي .

وعلى أرضها جرت عمليات الاغتيالات والخطف المتبادلة بين مختلف القيادات والأجهزة العربية بل وحتى الأجنبية، في لبنان اختطف ومن ثم اغتيل أو صفي السعودي القومي ناصر السعيد، كما قتل فيها كامل مروة صاحب ومؤسس دار الحياة، كما تم خطف وتعذيب الصحفي اللبناني سهيل طويلة بالحرق والكي وقلع عينه، ثم قتله بست رصاصاتٍ ! صحيفة الحياة العدد 15748، قل ذلك عن الصحفي الطرابلسي سليم اللوزي الذي أذيبت ذارعه داخل الأسيد المركز، قبل أن يتم قتله بطلقةٍ في رأسه ! ولدي قائمة طويلة جداً من الاغتيالات التي طالت مختلف شرائح الشعب اللبناني وغير اللبناني ممن قاده حظه العاثر إلى زيارة لبنان أو الإقامة فيها، من رؤساء جمهورية لبنان بشير الجميل، مروراً برؤساء وزرائها كرامي والحريري، ومفتي لبنان حسن خالد ، ومحالة اغتيال المرجع الشيعي فضل الله، وانتهاءً باختطاف موسى الصدر الأب الروحي لحركة أمل، الرحم الذي خرج منه الحزب العاق ( حزب الله ) ( دار قتال ضارٍ بين الحركة والحزب ) في نهاية الثمانينات .

نزحت القيادات الفلسطينية إلى لبنان بعد حرب ال67 وهناك اشتعل وقود الحرب الأهلية بعد حادثة الباص المشهورة التي راح ضحيتها أكثر من عشرين فلسطينيٍ ليختلط حابل لبنان بنابله .

وقع أهل السنة بين فكي الكماشة على يد قوات الكتائب المارونية اللبنانية ( إلياس حبيقة - اغتيل في التسعينات ) سفاح صبرا وشاتيلا من جهةٍ، والقوات الإسرائيلية من جهةٍ أخرى، وذلك عقب اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل على يد الاستخبارات النصيرية السورية، ليدفع أبناء صبرا وشاتيلا العزل من السلاح الثمن باهظاً للغاية، حيث ذبحوا كما تذبح النعاج تحت حراسة مشاعل الجيش الإسرائيلي، كما دفع أبناء مخيمات عين الحلوة وبرج البراجنة وسنة طرابلس الثمن على يد مجوس القرن الواحد والعشرين نصيرية سوريا، ورؤوس حركة أمل نبيه بري رئيس ما يعرف بمجلس النواب اللبناني، حتى إن قوات حركة أمل اضطرت سكان المخيمين إلى أكل الكلاب والقطط من شدة الحصار .


[align=center]
موسى الصدر[/align]

ولدت حركة أمل على يد موسى الصدر تلميذ الخميني وصهره، ووزير دفاع إيران السابق الدكتور مصطفى جمران ( قتل في حادث سقوط طائرةٍ غامض ) قيل إنه مدبر ! ثم تولى زعامتها بعد اختفاء موسى الصدر في ليبيا المحامي نبيه بري المريد الشخصي والتابع الملخص لموسى الصدر، نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي وسفاح مخيمي برج البراجنة وعين الحلوة، رافضي المشرب، قومي الهوى، ليبرالي التوجه والأهداف، ولد في سيراليون، وتربى وعاش في أمريكا، قدم من ديترويت ليلعب دوره المشبوه في لبنان !


[align=center]
نبيه بري[/align]

كانت دولة لبنان وما تزال المسرح المفضل لتصفية الحسابات بين مختلف الدول العربية والأجنبية، تقاسمت فرنسا والقومية الناصرية وفلول من الشيوعيين في الخمسينيات من هذا القرن أدوار اللعبة خلف الكواليس، وبعد أن تهاوت مهزلة القومية العربية دخل المسرح اللبناني لاعبون جدد، السوريون والفلسطينيون والليبيون والسعوديون والإيرانيون، ثم جاءت إسرائيل عقب اغتيال سفيرها في لندن لتنقض على البقية الباقية من أشلاء لبنان وتجتاحه عام 1982 دون أن تحرك تلك الجيوش العربية والفارسية ساكناً ! إلى حين خروج منظمة التحرير من بيروت ورحيلها إلى تونس واليمن والجزائر .