مساءلة حزب الله بعد عملية "الوعد الصادق"
خالد حسن
مجلة العصر/ 12-7-2006
لا أملك الجرأة ولا الحقائق الدامغة لأصف حزب الله بـ"الأكذوبة"، ولا أظن أن هذا مما تصرف فيه الأوقات والاهتمامات، نعم حدث في السابق ما يرسخ القناعة بأن حزب الله أداة وظيفية أكثر منه حركة مقاومة مستقلة القرار والتفكير والرؤية والإستراتيجية، وحتى العملية الأخيرة من خطف جنديين إسرائيليين وقتل 7 آخرين لا يمكن قراءتها خارج سياقها الإقليمي، وأنها من الأوراق التي تستخدمها إيران وسوريا في محاولة لترتيب وضع معين أو انتزاع مبادرة الفعل وخلط الأوضاع، لكن ليس من الحق ولا من العدل أن نبخس مقاومة حزب الله حقها، ونتجاوز في توصيفها ونعتها، مع الإقرار بأنها أقرب إلى الأداة الوظيفية التي تستخدم في أوقات الحاجة.
توقيت العملية، حمال أوجه، يرتبط بملف إيران النووي وحصار سوريا وأزمة القتل بالهوية في العراق والوضع في غزة وحسابات حرب المواقع في لبنان.
لكن، ما لا يمكن فهمه، حتى يدفع حزب الله الشبهة عن فعله "المقاوم"، كيف يمكن قراءة العلاقة الحيوية والإستراتيجية بينه وبين عصابات القتل بالهوية في العراق دون أسميها، لأنها معلومة ليس فقط عند حزب الله، بل حتى عند الأمريكان ودول الجوار وأهل السياسة والإعلام؟ لنفترض أن حزب الله يتبرأ مما يجري، من الفعل وليس من الجهات، لكن كيف نبرر صمته؟ الأمين العام للحزب صرح بأنه لن يسلم الجنديين إلا بالتفاوض حول تبادل الأسرى، وعلى رأسهم عميد السجناء سمير القنطار، وهو موقف صلب وثابت، التزاما بما كان قد وعد به بالأمس وحققه اليوم، لكن ماذا فعل لوقف مسلسل التصفية الطائفي الذي يتولى كبره شركاؤه في خطوط الدفاع عن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وفي حماية المرشد الأعلى؟
يعني لا يمكننا هضم الصمت المريب لحزب الله وأمينه العام إزاء ما تقترفه فرق الموت التابعة للقوى السياسية الشيعية، ببساطة لأنه لا يمكن الجمع ولا التوفيق بين عملية "نوعية" انتصارا للأسرى اللبنانيين والفلسطينيين، كما نص الحزب، وبين الخذلان للموتى العراقيين من السنة على أيدي الميلشيات الشيعية المغالية، ليس باعتبارهم سنة، وإنما لجرم الفعل وخطورته ومآلاته. قد يكون الحزب تحرك لاحتواء الموقف الشيعي في العراق، لكن لا أثر لمساعيه، وربما وصلت إلى طريق مسدود شبيه بما وصلت إليه التدخلات الإيرانية حسب ادعاء تسخيري أمام ملتقى اتحاد العلماء المنعقد في اسطنبول، لكن من يصدق هذا الادعاء، خاصة وأن إيران متهمة بإسناد هذه العصابات بالسلاح والمال والعناصر وربما الخطط.
وربما يتضايق البعض من هذا الجمع الذي لا تتحمله عملية "الوعد الصادق" التي نفذها عناصر من حزب الله اللبناني، غير أن ما يحدث في العراق من عملية تطهير طائفي كشفت عن حقائق ووقائع لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها أو تبرئة طرف شيعي معين، فهم شركاء في الولاء والثورة، والعراق فضح أطرافا وخططا وبعث من جديد الحذر والتوجس من التوجهات الشيعية في المنطقة. وأمامنا الحقائق والوقائع، وإذا أجاز حزب الله لنفسه حسم الموقف مما يجري في العراق باتهام الموساد و"التكفيريين" من السنة، فلا أظن أن عاقلا ومتابعا للأوضاع تقنعه هذه الدعاوى في التعامل مع ملف التطهير السني في العراق، فليس الدم السني العراقي أقل شأنا من سجن سمير القنطار، وليس الاجتياح الإسرائيلي لغزة بأكثر جرما من الاجتياح الطائفي ضد تجمعات الفلسطينيين في بغداد!
المصدر :
http://www.albainah.net/index.aspx?f...id=11960&lang=
مواقع النشر (المفضلة)