إمرأة وصلت إلى مشارف "القوامة"!
حصة إبراهيم الجربوع




وكان ياما كان في سالف العصر والأوان ......
كان فيه بنت لديها من الطموح والرغبة في العمل لتحقيق ذاتها ما يفوق الوصف وقدر لها أن تلتحق بالكلية وتتخرج معلمة.
وعلى طريقة جدتي، الزبدة، سارت بها الحياة لتجد نفسها في مواقع وظيفية متعددة تحملت أعباءها بكل أمانة ومسؤولية حينًا، وبكل أمانة وبشيء من التذمر أحياناً أخرى، كما تحملت أوزارها بالصبر والاحتساب. ولما تشعبت بها ظروف الحياة وجدت نفسها كما هي مسؤولة عن وظيفة تتطلب منها الكثير، وأسرة ترقب دخولها وخروجها، وتأمل أن تقتنص من الوقت ما يكفي لتمنح هذه الأسرة ذلك الدفء الذي لطالما حدثت به نفسها أن تمنحه لها لو قدر أن تكون لها أسرة ... وكانت الأسرة.
وعلى نهج جدتي في سرد القصة.
كان للبنت صديقة لها الأحلام والطموحات نفسها، وحصلت على المؤهل نفسه لكن تعيينها في إحدى المدن الكبيرة لم يتح لها التدرج في الوظائف، وبقيت قانعة دون بديل أن تبقى معلمة بالمرحلة الابتدائية.
وذات يوم حدث في أسرة البنت ما جعلها تعيد التفكير في كثير من الأمور!
فحدثت نفسها وأثقلت!
لم عليّ أن أبقى في عملي متأخرة عن زميلاتي بأكثر من ساعة ونصف الساعة ؟ لم علىّ أن أكون آخر من يبقى في العمل وأول من يباشر وصديقتي أول من تتمتع بالإجازة وآخر من يباشر! ما الفرق؟
هي تعمل أقل، تتعرض لضغوط أقل، تسعد بها أسرتها أكثر، وتعطي أسرتها من اهتمامها بقدر أكبر! هي مستقرة من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى البيت! وأنا يتعين علىّ أن أكون كل يوم في مكان، مع ما تمثله بعض الأماكن من خطورة الطريق ومشاكل التأخر، وكلنا في ميزان واحد!!
يا إلهي لماذا أفكر بهذه الطريقة؟ ما كنت يومًا أشغل نفسي بالمقارنات، وما كنت يومًا أحسد أحدًا على ما فيه من الخير، إنها الوساوس!!
أعوذ بالله من الوسواس الخناس ، لا إنها الغبطة، بالتأكيد إنها الغبطة، ولا غيرها لم لا أكون مثلها؟ يوم أن شج رأس ابنتي كان علىّ أن أوقظها من نومها كل ساعتين، كما أمر الطبيب، وكان علىّ الذهاب إلى عملي، ذهبت وتركتها في رعاية الخادمة.
وكانت صديقتي ومثلها الكثير تنعم بالوجود في بيتها تحتضن أطفالها في ذلك الوقت، كيف أعتذر لصغيرتي وهذا اختياري؟! وكيف أوضح لها أني لو كنت في مكان آخر لكنت بجوارها وما كنت أدعها تزدرد العبرات، وكنت قد تعذبت بتلك النظرات التي تتوسلني وما استطعت!!
وبين الاستقالة، والحاجة، وبين الطموح وحب العمل، والعودة إلى البداية، ثم بين الأمومة، والوظيفة!
كنت !!!
ككل النساء امرأة تنوء بأعباء كثيرة وصلت بها إلى مشارف القوامة، لو صحت!!
وبلا شك كنت ولا مناص، المرأة العاملة المظلومة!! أو المرأة العاملة في المكان الخاطئ .
هكذا قالت ـ وهكذا هي الحقيقة ـ ولكن من يفتح النوافذ لتدخل الشمس إلى الزوايا المظلمة في حياتنا.
قامت وكأني أرقبها تفتح النافذة، وتنظر إلى الأفق البعيد، وفي نفسها شيء من حتى.



هذه أيضاً كتبت في مجلة المعرفة