يا وزارة الخدمة المدنية.. تحجّر اللبن في صدور الأمهات
حصة إبراهيم الجربوع ـ رفحاء
شدني مقال في العدد (130) بعنوان «يا وزارة التربية.. اعتبرونا بشرًا» للأخت فاطمة السهيمي هذه الرائعة التي ما فتئت تنعش ذائقتنا بكتاباتها الجميلة. الأمر الذي دعاني إلى الكتابة حول الموضوع نفسه.
حينما أصدرت الخدمة المدنية لائحة الإجازات الجديدة حددت إجازة الوضع أربعين يومًا، وقد تمتد إلى تسعين يومًا (بعد موافقة الطبيب) إذا احتاجت الأم أو الطفل، ثم يحق للموظفة الحصول على ما يسمى بـ«رعاية المولود» بحد أدنى ثلاث سنوات بربع الراتب.
التساؤل: من الذي أصدر هذه اللائحة وقرر الأربعين يومًا هل هم رجال أم نساء؟ ذلك ما يدور حوله النقاش بين الموظفات، لدرجة أن إحداهن قالت: «يا ناس ماذا أفعل وقد خلقني الله امرأة؟! حتى أمر حملي وولادتي ونفاسي ورعاية مولودي يتحكم فيها ويقررها الرجال؟!».
إن الغضب والعتب يكاد يصيبنا بالإحباط. إنه يقتلنا. كيف أعمل وكيف أعطي وقد وهبني الله عامين وسلبني إياهما الرجل؟! هكذا ببساطة!
إننا حينما ننادي بحقوق المرأة لا تنحصر مطالبنا في قيادة السيارة أو استخراج بطاقة.. تلك أمور هامشية لا نراها ضمن سلم الأولويات، وإنما نطالب أن يكون شأن المرأة للمرأة.
هل هذا من الصعوبة بحيث لا تستطيع المرأة تحقيقه؟! ثم من الذي يقرر صلاحية المرأة بالتصدي لسن اللوائح والأنظمة التي تخصها؟ نعود ونقول: «الرجل» وإلى متى؟!
أين الرجال الذين أصدروا هذه اللائحة من قول الصادق الأمين ـ بأبي وأمي هو ـ عليه الصلاة والسلام واصفًا حق الأم :«ولو بطلقة واحدة». إنها عبارة اختزلت كل الكلمات وجميع العبارات التي من الممكن أن تصف ذلك النصب الذي تحسه المرأة عند الولادة وما يترتب عليها.
لقد تعاملت اللائحة مع إجازة الوضع كما تعاملت مع بقية الإجازات، فقد طالها مقص الرقيب!
وكأنما إجازة الوضع رحلة استجمام للأم يجب ضبطها والحد منها. فإذا ما أرادت الأم أن تطول هذه الإجازة فهي وشطارتها!
ثم إن اللائحة حاولت أن تحمل المرأة المسؤولية وكأنها تقول: «والله أنا لا دخل لي إذا خائفة على نفسك أو طفلك فأحضري تقريرًا طبيًا من هنا أو هناك ومددي إجازتك إلى تسعين يومًا براتب كامل... وإذا كنت تحبين طفلك وحريصة عليه أكثر فمددي الإجازة إلى ثلاث سنوات بربع الراتب»! يا له من تملص غريب.. حتى من استشعار المسؤولية!
لكن اللائحة لم تخبر الموظفات اللاتي يتحملن مسؤولية الإنفاق على عوائلهن كيف يمكنهن الوفاء بمتطلبات هذه العوائل بربع الراتب؟! هل علينا أن نقول ما لا نريد قوله حتى يقتنع واضعو اللائحة ومقرروها أننا بحاجة على الأقل إلى شهرين حتى نعود تدريجيًا للعمل كما ينبغي؟! لما لا تتحمل وزارة التربية والتعليم مسؤولياتها في هذا الموضوع وتقوم باستطلاع آراء الموظفات حول اللائحة؟! كيف ترتضي الظلم الواقع على منسوباتها؟! من يعالج النفسيات المتعبة جراء هذا الغبن؟!
ثم لماذا يحرم أطفالنا من الرضاعة الطبيعية على إثر تعميم وزارة التربية والتعليم؟!
بعد كل هذا لا تسألوا عن هشاشة عظام الأطفال وتسوس أسنانهم فلقد تحجر اللبن في صدور الأمهات ومعه تحجرت القلوب!
كتبت في مجلة المعرفة
مواقع النشر (المفضلة)