لغز «ابن عجلان»
حصة الجربوع - رفحاء



لم يكن يدور في خلدنا نحن المتدربات (مساعدات مكاتب الإشراف) أن للإشراف التربوي وجوهًا أخرى غير تلك التي ألفناها وألفتنا خلال السنوات الماضية، إلى أن التحقنا ببرنامج الإشراف الفعال الذي نظم بمركز التدريب بالدمام.
لقد كان التدريب حدثًا بارزًا وجديدًا للأغلبية منا، ونحن اللاتي هجرن مقاعد الدراسة منذ مدد متفاوتة لا تقل في المتوسط عن سبع سنوات! لذا حاولنا التمشي مع البرنامج وكأننا لا نزال في بدايات التخرج بلا أدنى خبرة.
لقد رأت مجموعة منا أنه لا يمكن التسليم بما جاء في البرنامج باعتباره حلمًا قد يتحقق يوماً ولكن ليس على أيديهن في ظل ما تراه من تداخل في مهام الإشراف التربوي وطغيان الجانب الإداري على العمل الفني. في حين رأى البعض الآخر أن التدريب ضرورة ملحة، وأن التدريب بعد التطبيق أكثر إلحاحًا لكن البرنامج عجز عن الوفاء بمطالبها، حيث دعا كثير من المشرفات إلى إصدار التعاميم التي تدعم تطبيق كل ما مر في البرنامج (وكان المدرب يعي ذلك ويتهرب منه بذكاء).
انتهى البرنامج وظل السؤال الذي غص في حلوقنا: هل نستطيع تطبيق كل ما تعلمناه في البرنامج ومواجهة عواقب ذلك؟
في تصوري أن الإجابة عن هذا السؤال هي التي تضع البرامج التدريبية الحالية والمستقبلية على المحك.. فإذا سلمنا بأن التدريب مهم بل ومهم جدًا فإن تطبيق ما تم التدريب عليه لا يقل أهمية، وذلك أمر يشغل بال المدربين والمتدربين. وإلا ما الفائدة من التوسع في التدريب إذا كان المتدرب يتعلم شيئًا، ثم بعد التدريب عليه أن يطبق في عمله شيئًا آخر مضادًا له في الاتجاه؟!
على أن ذلك لم يقف عقبة أمام البعض الذين يحاولون إيجاد الثغرات والمسوغات التي تجعلهم في حل أمام الرقابة في حال طبقوا البرامج التدريبية التي تعلموها.
الرقابة التي ترى أن المشرف (أو المشرفة) عليه أن يلتزم بالتوجيهات والتعليمات مهما كانت ما لم يأت ما ينسخها بتعميم.
وحال التدريب بهذا الشكل يذكرني بلغز «ابن عجلان» لـ«وضحاء» حينما أعطاها كيسًا من المال واشترط عليها أن تنفق منه وهو «مسكّر» ومختوم!
فالتدريب بلاشك كنز، ولكنه بالتأكيد ليس لغزًا يحتم على المتدربة أو المتدرب أن يستنزف الوقت والجهد ليوجد الثغرات والمسوغات حتى يطبق ما تدرب عليه.
لقد كان التدريب بحق فرصة رائعة للتعلم عن استراتيجيات الإشراف وطرق التفكير، كما كان فرصة للالتقاء بالقيادات من مختلف المناطق. ولكون الفئة المستهدفة بالتدريب هي «مساعدات مراكز ومكاتب الإشراف التربوي»، حيث تشابهت الهموم والصعوبات ووجدتني وأنا القادمة من مدن الصحراء ألتقي زميلاتي في مدن الساحل لنتحدث ونتناقش في هموم مشتركة تواجه طبيعة عملنا. فلقد اتفقنا دون تخطيط أو بنود مكتوبة على أن الإشراف التربوي ظل بمعزل عن التوصيف الحقيقي، حيث مارس الدور الرقابي أكثر من الدور الفني المهني! وظلت التعاميم واللوائح تكبل المشرفات التربويات وتحد من حماسهن. وبمرور الوقت ألزمت هذه التعاميم واللوائح المشرفات التربويات الكراسي أو ساهمت في تسربهن من الإشراف التربوي!
لقد أجمعت الأخوات على أن الإشراف التربوي بشكله ومضمونه الحالي لا يؤمن الرضا الوظيفي للمشرفات وخاصة المتميزات اللاتي تعودن العمل الجاد والمثمر. على أن أخطر ما يواجهه الإشراف التربوي في نظرنا هو إجبار المشرفات التربويات على البقاء في الإشراف التربوي دون رغبتهن!
لذا رأى بعضنا أن التدوير في وظائف المشرفات التربويات مهم جدًا فمعه تتجدد الدماء والطاقات، ويضاف للإشراف التربوي طاقات جديدة قادرة على الإبداع والتميز.
ومما تعلمنا في البرنامج أن السيرة الذاتية للشخص الناجح لابد أن تتغير على الأقل مرة كل عام بإضافة إنجاز. ولو طبقنا ذلك على الإشراف التربوي بمجمله، وقلنا ماذا تتضمن السيرة الذاتية للإشراف التربوي بالمملكة؟ كم كتابًا في التربية والاستراتيجيات (وليس الإحصاء) تولى الإشراف التربوي طباعته؟ كم عدد المشرفات التربويات التي تم إيفادهن للحصول على الماجستير والدكتوراه؟ كم مرة تم تجديد دليل العمل في الإشراف التربوي منذ تأليفه 1419هـ؟ كم دورة تدريبية نفذها الإشراف التربوي للمشرفات التربويات ولمديرات المراكز والمكاتب على أيدي الخبيرات والمختصات، وليس على أيدي بعضهن بعضًا؟ كم بحثًا إجرائيًا واستطلاع رأي تم للمشرفات التربويات يخص طبيعة عمل المشرفة الفني؟
لقد بات من الضروري أن تتحسن السيرة الذاتية للإشراف التربوي كيما تتحسن السيرة الذاتية للمشرفات التربويات والقيادات التربوية.



نشرت في مجلة المعرفة