.
و من هنا فأرى أنه من المهم التأكيد على المسائل التالية:
أولا : أن مصير الأمة لا يجوز أن يكون رهنا لعواطف جياشة أو تبعا لحماس جماهير غاضبة لا تدرك العواقب أو تحركات عجلى لا تبنى على حقائق . بل إن المواقف الصحيحة والتحركات الفاعلة لابد أن ترتكز وتبنى على بصيرة بالأحداث وما وراءها ، ومعرفة بطبيعة الأطراف اللاعبة وتاريخها ، وباستظهار للخطط التي يسعى كل طرف إلى السير وفقها وتحقيق أغراضه من ورائها . يسند ذلك علم شرعي وحكمة سياسية وتطلع إلى المستقبل يتعدى الاستغراق في اللحظة الراهنة ويتعظ بالماضي القريب والبعيد . و هذا وإن لم يكن في وسع عامة المسلمين وجماهيرهم ، فلا يعذر فيه أولو البصيرة منهم وقادة الرأي والفكر والعلماء الربانيون والناشطون السياسيون الذين يقودون الجماهير و يوجهونها إلى المقاومة الفاعلة ، بعيدة المدى قوية التأثير محكمة التصرف .
ثانيا : أن من دين المؤمن وأخلاق المسلم نصرة المظلومين والسعي في فكاك المأسورين و عون المحتاجين في كل مكان وزمان ، فإن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما ، و كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في رفع الظلم و الوقوف مع المظلومين ، وما ثناءه على حلف الفضول إلا مثال لذلك . وهذا الأمر يقوم به المسلم دون غفلة منه عن طبيعة الأحداث ومؤدياتها و معرفة بحقيقة المشاركين فيها وطبيعة أدوارهم . وعليه ، فلا شك في وجوب الوقوف مع المنكوبين و المستضعفين في فلسطين ولبنان والعمل على دعمهم ومساندتهم و إغاثتهم بما يمكن ، والتخفيف من محنتهم بكل أنواع الدعم المعنوي والمادي كما قال صلى الله عليه وسلم ( المسلم اخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله .. ) الحديث .
ثالثا: أن دور الكيان الصهيوني ، ومن ورائه الولايات المتحدة و حلفاؤها في جلب المصائب والأزمات للأمة في الماضي والحاضر ، هو أمر لا يقبل التشكيك . فهم من اغتصب الأرض في فلسطين أولا و أفغانستان ثانيا و العراق ثالثا ، فانتهك الأعراض وهدم البيوت وهجر المسلمين من أراضيهم واستولى على ثرواتهم ومقدراتهم ، ولا زالوا الى اليوم يعملون في المسلمين قتلا و أسرا و تعذيبا وتشريدا.
رابعا: أن مقاومة العدوان الصهيوني والاحتلال اليهودي لفلسطين أو لأي أرض عربية ، هو حق لا مرية فيه بل هو واجب شرعي على الجميع ، كل حسب طاقته واستطاعته. وإن جهاد المحتل ومقأومته هو الطريق الوحيد لكف شره و لجم عدوانه و رفع بلاءه عن أمة الإسلام . ولقد زادت القناعة بهذا يوما بعد يوم مع ما نرى من فشل لخطط السلام المزعوم و للتحركات السياسية الهزيلة ، المنطلقة من أنفس مهزومة ، التي لم تزد الأمة إلا وهنا على وهن ولم تزد العدو إلا تمكينا في الأرض ، وبطشا وغطرسة .
خامسا: أن المقاومة التي يشرف المسلم بالانتساب إليها ويسعى إلى دعمها والوقوف خلفها وتأييدها ، هي المقاومة التي تنطلق من أسس واضحة و منطلقات شرعية صحيحة تسعى لطرد المحتل وعودة الأرض لأصحابها ولإعلاء كلمة الله، وتسعى لتطبيق شريعته دون أن يكون لها تعلقات مشبوهة وارتباطات مريبة بوعي منها أو بلا وعي .
سادسا: أنه عند النظر إلى ما يحدث الآن من صراع ، فليس من العدل ولا من الحكمة أن يحشر الناس في زاوية ضيقة و أن يخيروا بين خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تكون مع هذا الطرف أو مع ذاك، فتستبدل عدوا بعدو ، وخصما بآخر.
إن المسلم ، وإن كان يفرح بكل ما يقع في العدو الصهيوني من خسائر و جراحات ونكايات ، فلا يلزم من هذا أنه يؤيد كل الأطراف المقاومة في لبنان ، أو يقف معها في خندق واحد ويشاركها مشروعها وأهدافها . كما أن انتقاده المقاومة و بيانه لحقيقتها و حديثه عن أخطائها ومثالبها لا يعني أبدا أنه يقف مع العدو الصهيوني أو يسكت على جرائمه ويغض الطرف عنها ، أو يسوغ له عدوانه الذي يقع في حقيقة الأمر على الشعب اللبناني الأعزل كله ، و على كافة مناطقه وفئاته .
سابعا : ندعو إخوتنا من العلماء وطلبة العلم في لبنان إلى الاجتماع والائتلاف والبعد عن مواطن الخلاف ، والعمل على أن يكون لهم دور فاعل في نشر العلم الشرعي وتوعية الناس وخاصة في مثل هذه الأيام العصيبة ، وأخذ زمام المبادرة والتأثير الايجابي في مجريات الأحداث .
ثامنا : أننا مع إدانتنا لما يحدث من العدو الصهيوني من ظلم وبغي و غطرسة ، ندعو كل من أدان هذا الظلم الواقع على لبنان وفلسطين ورأى أن مقاومة هذا الظلم حقا مشروعا في وجه الصلف الصهيوني الأمريكي – وهو كذلك - أن يقف موقفا عادلا منصفا من المقاومة في العراق . فما الفرق بين الاحتلالين مع أن كليهما يتم بغطاء أمريكي صارخ ؟
ولم يتم تشويه المقاومة الحقيقية في العراق و تصويرها بأبشع صورة ؟ ولم السكوت عن أعوان المحتل من الحكومة الموالية والميلشيات الطائفية في غدرهم بالمقاومة والوقوف في وجهها ؟ إن المقاومة في العراق تقف في وجه الاحتلال الأمريكي وأعوانه وتدافع عن أرواح المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم ، وتسعى الى أن يحكم العراق أهله و أن يخرج المحتل الذي أهلك الحرث والنسل وأفسد في الأرض كل إفساد .
وأخيراً يا أهلنا في لبنان وفلسطين ، ويا أحبتنا في مشارق الأرض ومغاربها :
إننا لا نشك في أن اشتداد البلاء , و تعاظم المحنة إنما هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا . لذا فإن على الأمة ، أفرادا وجماعات ودولا ، أن تعود إلى ربها , وتتوب إليه ، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ، قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) . وقد قيل لخير الأجيال والقرون ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عند انفسكم )
و هنا نقول للأمة أبشري فإن الفرج قريب والآلام محاضن الآمال, فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا, متى ما أدركت الأمة واقعها وعادت إلى ربها, (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)
وعلى الباغي تدور الدوائر ، ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .
نسأل الله عز وجل أن يعجل بنصره لعباده المؤمنين وان يخذل الكافرين وأعوانهم في كل مكان .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
مواقع النشر (المفضلة)