سلام العالم :
الجهاد في سبيل الله : و المسلمون إذن مكلفون تبعات إنسانية تجاه هذه البشرية بحكم وصايتهم هذه عليها ووصاية كتابهم على كتبها ، هم مكلفون أن يحققوا في الأرض ذلك السلام الذي أسلفنا خطواته و عرفنا أسسه من إفراد الله سبحانه بالربوبية و بالإلوهية و بالحاكمية ن ومن العدل والمساواة و الحرية ، ومن ضمانات الحياة القانونية و المعيشية ، و من منع البغي و إزالة الظلم و تحقيق أسباب التوازن الاجتماعي و التكافل و التعاون ، وإزالة أسباب الفرقة و الخصام والنزاع بين الأفراد والجماعات ، وسد الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميزها و صراعها ..
وقد جاءت هذه الأمة وسطا عادلا بين طرفي التفريط و الإفراط في كل اتجاهات الحياة ، كما ترسم لها حدود هذا الدين ومبادئه التي عرضنا طرفا منها في مجال السلام ، فكان عليها أن تنهض بهذا العبء و ألا تنكل به لأنه نصيبها المقدر لها لتكون الحياة من خالق الحياة .
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله )
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) .
ولكن هذا الدين – مع هذا كله – لم يتعسف الأمور ، ولم يكلف المسلمين إكراه غيرهم على اعتناق عقيدتهم ، بسبب أنها الصورة الشاملة الكاملة الصادقة لدين الله الواحد في الأرض : ( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ) ، إنما كلفهم أولا حماية المؤمنين حتى لا يفتنوا عن دينهم ، وكف القوة عنهم بالقوة ، لأن الدعوة بالحسنى هنا لا تجدي ، وليس هذا مكانها ، وكلفهم ثانيا كفالة حرية الدعوة وإزالة كل قوة طاغية في الأرض تمنع أن تصل دعوة الإسلام إلى الناس كافة .. وكلفهم ثالثا إقرار سلطان الله في الأرض ، ودفع المعتدين على هذا السلطان ، أولئك الذين يدعون أن لهم حق التشريع للناس من دون الله ، فهم يدعون بهذا حق الإلوهية ، ويقيمون من أنفسهم أربابا من دون الله أو مع الله .. وكلفهم رابعا : إقامة العدالة الكبرى في كل ميادينها ، سواء كانت للأفراد خاصة في المجتمع ، أو بالجماعات في هذه الأمة ، أو بالأمم التي تعيش على هذه الأرض وتتألف منها البشرية العظمى .
ولقد تضمنت مبادئ الإسلام الأساسية ثورة حقيقية كاملة ، تعد أكبر ثورة تحررية عرفتها البشرية ، ثورة على ربوبية العباد للعباد ، وثورة على الظلم بكل صنوفه و أنواعه ، وفي كل ميادينه ومجالاته ، و وثورة على النظم و الحكومات التي تسند هذا الظلم وتستبقيه لحساب فرد على جماعة في صورة حاكم أو مستغل ، أو لحساب طبقة على طبقة في صورة إقطاعيين و رأسماليين وصعاليك ، أو لحساب دولة على دولة في صورة مستعمرين و محتلين .
ولم يكن بد أن يقاومه أفراد ، أو تقاومه طبقات ، وأن تقاومه دول ، ولم يكن بد كذلك أن يمضي الإسلام بثورته الكاملة الشاملة في وجه هذه المقاومة ، ولم يكن بد أن يكتب الجهاد على المسلمين لنصرة هذه الثورة وتحقيق ربوبية الله و حاكميته في الأرض . و استنقاذ البشرية أفراد و جماعات من جور الأرباب الأرضية الممثلة في الأشخاص والحكومات و النظم و الأوضاع ، لكي يقيم السلام العالمي الأكبر على أسسه الأصيلة لا بين الدول فحسب ، ولكن في داخل هذه الدول كذلك فلا يسكت على وقوع الظلم في داخل دولة من الدول ليشتري السلم معها بأي ثمن ، إن النظرة الإسلامية نظرة ربانية محيطها ( العالم ) وموضوعها ( الإنسان ) فليس همه أن يشتري السلم الكاذبة مع دولة من الدول بأن يدع هذه الدولة تقيم لرعاياها أربابا من دون الله يدعون حق الربوبية فيها وتحرمهم العدل القضائي والعدل الإجتماعي .
حيثما كان ظلم فالإسلام منتدب لرفعه ودفعه ، وقع هذا الظلم على المسلمين أم على الذميين – الذين أعطاهم الإسلام ذمته ليحميهم – أو على سواهم ممن لا يربطهم بالمسلمين عهد ولا اتفاق ، وأظلم الظلم تعبيد العباد لغير الله و إقامة أرباب يشرعون لهم ما لم يأذن به الله ، وحيثما واجه الإسلام الفرد الظالم أو الطبقة الظالمة أو الدولة الظالمة ، واجههم على أنهم جماعة من البشر تظلم جماعة من البشر ، لا على أنهم سود وحمر أو بيض أو صفر ، ولا على أنهم مسيحيون أو يهود أو مشركون .
والإسلام يواجه القوى الواقفة في وجهه بواحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال .
فأما الإسلام : فلأنه الصورة الأخيرة لدين الله الخالد ، لأنه الهدى للبشرية جميعا ، ولأنه الناموس الذي يحقق العدالة الإنسانية للجميع .
وأما الجزية : فلأنها دليل الكف عن المقاومة ، وتحقيق حرية الدعوة ، وغزالة القوة المادية التي تصد الناس عنها .
وأما القتال : فلأنه في هذه الحالة هو الرد الباقي على مقاومة كلمة الله عن إصرار وعناد ، وحرمان البشرية من الاستمتاع بما تحمله لها هذه الكلمة من نور وعدل و من سلام شامل كامل لبني الإنسان .
فإذا استسلم من يطلب السلام ، فهؤلاء هم الذميون وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح .
من كتابه ( السلام العالمي و الإسلام ) .
مواقع النشر (المفضلة)