جاكم تركي السديري مطفي النور
لاحظوا انهم مانعين التعليق على الموضوع بالجريدة ...
================================================== ==========
نجيب.. وما اختلف به مع الآخرين..!
تركي بن عبد الله السديري
دائماً؛ أجزم أن أي إنسان لديه نصف موهبة إبداع فني، يستطيع أن يكون صاحب موهبة كاملة، متى كان يحصل على انطباعاته ورؤاه.. من الحياة الاجتماعية المصرية..
كذلك؛ أجزم أنه ليس هناك بلد في العالم، تتناثر المؤثرات الفلكلورية في مقاهيه، وشوارعه، وأحيائه الشعبية، مثلما هي الحال في مصر..
الخادمة، وسائق التاكسي، وبواب العمارة، هؤلاء رواة، يثيرون انتباهك بنوعية ما يقولون من ناحية، وبما يحمله ما يقولونه من صور عفوية، عن الحياة الشعبية.. هذا هو الحد الأدنى في أدوات الانطباع، أما عن الصور الفنية من لسان شاعر تفنن به عذاب البؤس مثل: المرحوم عبدالحميد الديب، أو كاتب زجل شعبي ساخر - وما أكثرهم - أو مؤلف قصص مغرقة في الانطباع المحلي؛ فإنك أمام صور فنية، لم يتعب مؤلفوها في سرد تفاصيلها، ولكنهم استفادوا من نبض حياتهم الاجتماعية الزاخر - جداً - بمؤثرات الفنون..
إلى جانب النيل، النهر الخالد، الموصوف بساحر القلوب، هنا نهر آخر لا يقل سحراً عن ذاك، تموج به الحياة الاجتماعية، وهو قادر - دائماً - على إنتاج مختلف الفنون.
نجيب محفوظ - رحمه الله - فنان عظيم؛ لأنه لم يسلك طرق الكتّاب الآخرين، معظمهم - سواء في مصر أو خارجها - عندما ينقل رؤية شخصية، أو تفسيراً شخصياً، أو انحيازاً لرؤية ما، أو اندفاعاً خلف تيار سياسي، أو فلسفي، فهو بذلك يكون عضواً في خدمة فنية، بعضها مشابه لبعض..
نجيب - رحمه الله - كان مصوراً بارعاً، نقل ما استطاعت رؤاه الخلاقة البارعة أن تدركه من ملامح، إلى الحياة الاجتماعية، من دون موقف - ضد، أو مع - في التعامل مع المؤثرات، وأعتقد أن هذه خاصية تميز، ليس من السهل أن تجدها لدى معظم الآخرين.
في رواياته، أنت لا تقرأ سرداً لفظياً، ولا تتمازج مع رؤية ثقافية، أو نفسية، تريد منك الانتماء لها.. لا.. إنه ينقلك إلى حالة حضور بارعة الترسيخ لك، في إدراك المضمون الإنساني ومؤثراته على طبيعة التصرف الشخصي، فلا يبقى للسرد قوة تأثر على المتابعة، أو احتفاظ الذاكرة بالحدث، ولكنها سخونة تحريك الحدث، وتفعيل ذلك التحريك داخل ذاكرتك؛ هو الذي يبقيك في حالة احتفاظ مستمرة، لعوالم نجيب محفوظ النابضة - دائماً - بالحيوية..
لقد شرفنا الراحل العظيم بالعالمية، وشعرنا بالاغتباط أنه قد تلذذ بذلك التشريف، الذي حدث قبل وفاته بثمانية عشر عاماً، وهو مع رصيده الثقافي، ومكانته الاجتماعية، ودعته مصر بما يليق به، وهو من دون شك في حالة ارتياح عن واقع مكانته الرفيعة.
إنه صاحب مجد تركه بيننا، وذلك هو شأن العباقرة والملهمين من الرواد الكبار، الذين لا يضيعون في طوابير من يغادرون الحياة؛ فمجدهم يبقى ممثلاً لوجودهم الخالد.. وقد ترك لنا نجيب محفوظ مجده الخالد - رحمه الله.
http://www.alriyadh.com/2006/09/03/section.leqa.html
مواقع النشر (المفضلة)