أولاد حارتنا.. أزمة في مصر.. واحتفاء في العالم




الرياض - ثقافة اليوم:
ربما كان العمل الأشهر في الحياة الأدبية للراحل الكبير نجيب محفوظ هو رواية (أولاد حارتنا) التي حصل بموجبها على جائزة نوبل، ومثلت نقلة في الكتابة الروائية العربية من خلال اعتمادها على ما دأبت الثقافة على التعاطي معه على أنه من الهامشي والمهمل، واستثمار اليومي والشعبي لإقامة عمل روائي فتح الباب بعد ذلك لعطاء عربي كان فيه محفوظ بمثابة الأب الروائي لكثير من الأعمال التي صدرت بعد ذلك.
سببت رواية أولاد حارتنا أزمة كبيرة منذ أن ابتدأ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام حيث هاجمها شيوخ الجامع الأزهر وطالبوا بوقف نشرها، وهذا ماكان. ثم طبعت الرواية في لبنان وأحدثت دوياً هائلاً بسبب الإسقاطات الرمزية التي حفلت بها الرواية، والتي تحدثت عن قصة الخلق منذ البداية.

كفر نجيب محفوظ بسبب هذه الرواية، واتهم بالإلحاد والزندقة، وأخرج عن الملة، وقرئت الرواية بتشنج كما فسر النقاد والشيوخ رموزها وفق قواميسهم ومفرداتهم.

الرواية واقعية رمزية، تدور في أحد أحياء القاهرة كما هي معظم روايات نجيب محفوظ ك الحرافيش وزقاق المدق وغيرها، وتبدأ بحكاية عزبة الجبلاوي الخاصة التي يملأها أولاده. تندلع حبكة السرد منذ ولادة أدهم ابن السمراء وتفضيل الجبلاوي له على بقية أبنائه، وتمرد ابنه إدريس الأمر الذي أدى إلى طرده من عزبة الجبلاوي لتبدأ رحلة معاناته.

ينجح إدريس في التسبب بطرد أدهم من العزبة، وتمضي رحلة الإنسان والشيطان في الخلق كما روتها الكتب السماوية، فيقتل ابن أدهم ابنه الآخر، ويتيه أبناؤه في الحارة، فتنشأ فيها أحياء ثلاثة، ويظهر منها أبطال ثلاثة يرمزون إلى أنبياء الديانات التوحيدية الثلاث، كما يظهر في عصور الحارة المحدثة شخص رابع هو العلم الذي سيقضي على الجبلاوي.

أخذ الكثيرون من الشيوخ ومن غيرهم على الرواية تجرؤها على تمثيل الخالق بالجبلاوي، وإعادتها تمثيل أسطورة الأديان السماوية من جديد في واقع آخر، ثم نحوها منحى متمرداً بالزعم أن العلم قادر على أن ينزع من الناس فكرة الله.

لكن محفوظ يخالف الكثيرين هذه الفكرة، فبعد أعماله المغرقة في الواقعية، (ربما) أراد أن ينظر بتسامح إلى الديانات الأخرى، وإلى قصة الخلق، وأراد التأمل في حال البشر منذ الخليقة، وآمالهم وتطلعاتهم إلى عزبة الجبلاوي، وسعيهم الممض نحو الوصول إليها بشتى الطرق.

لم يكن من المستغرب اتهام اولاد حارتنا بالكفر. لكن، انطلاقاً من احترامه للمشاعر الدينية رفض محفوظ تفنيد فتوي الأزهر، المؤسسة الإسلامية العليا في البلاد التي منعت الكتاب، إذ اعتبر محفوظ أنه من غير الحكمة الدخول في صراع مع الأزهر حول مسألة ثانوية نسبيا، بينما قد سيحتاج إلى دعمه في وجه ماسماه الشكل القروسطي الآخر للإسلام، أي الحركة الاصولية الناشئة.

ويبدو ذالك أن الحل الوسط قد هدأ من حدة النزاع مع السلطات الدينية. لكن مع فوزه بجائزة نوبل عام 1988 زاد الضغط مجدداً من أجل نشر الكتاب في مصر. وبعد فترة وجيزة، عندما هبت العاصفة ضد سلمان رشدي، قارنت الصحافة بين أولاد حارتنا وآيات شيطانية، وطلب من محفوظ إعلان موقفه من موقع الكاتب في المجتمع الإسلامي. فتكلم بصراحة لصالح حرية الكلمة، ودان فتوي الخميني بخصوص رشدي. ورد عليه الأصوليون بهجوم مضاد متهمينه بالكفر والردة والماسونية. وأصدر مفتي إحدى الجماعات الاصولية فتوي في حقه اعتبره فيها مرتدا عن الدين، فكل من يسيء إلى الإسلام مرتد، وإن لم يتب، فيجب قتله. ولاشك في ان تأييد محفوظ لنوع من التعايش السلمي مع إسرائيل كان محركا جزئيا لذلك التكفير.

ترجمت الرواية إلى الإنجليزية والألمانية وبعض لغات أخرى، وقوبلت باحتفاء كبير.

http://www.alriyadh.com/2006/08/31/article182958.html