تاااابع


حاجة "ميثاق أخلاقيات التعليم" إلى الأخلاق



ناصر الحجيلان
أشرت في المقالة السابقة المنشورة في هذه الزاوية إلى أن "ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم" الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم مؤخرًا منقول حرفيًا من كتاب منشور قبل ثلاثة وعشرين عامًا (عام 1405ه) وهو كتاب "إعلان مكتب التربية العربي لدول الخليج لأخلاق مهنة التعليم". وقد أُخذت أغلب بنود ذلك الإعلان ووضعت على شكل مواد في الميثاق دون أي إشارة لذلك المصدر. بل إن تصريحات الوزارة تضمنت ما يوحي بأنّ هذا الميثاق من جهدها، وأنه على حد تعبير معالي وزيرها الدكتور عبدالله العبيد قد "أخذ الكثير من الجهد وعكفت على إنجازه العديد من اللجان".
ومن هنا فإن المتوقع وفقًا لتلك التصريحات والاحتفالات أن الخمس عشرة صفحة، وهي مجموع صفحات الميثاق، هي من جهد الوزارة وليست مجرد إعادة صفّ لأن إعادة صف الحروف لن تحتاج إلى لجان ولا إلى اعتكاف أو جهد كثير. والعجيب أن كلمة معالي الوزير أثناء حفل تدشين هذا الميثاق تضمنت أفكارًا ليست موجودة في الميثاق إطلاقًا، ومنها إشارته إلى: "التعامل مع معطيات العصر ومواكبة التطورات والتواصل مع أبعاد التقنية المتلاحقة التي هي محل اهتمام العاملين في ميدان العمل التربوي وبما يتواكب مع الخطوات الرائدة مع منجزات التعليم الإلكتروني المتوالية والتي تعتبر إنجازا جديداً يضاف بإذن الله إلى منجزات وزارة التربية والتعليم بما يخدم تطوير العملية التربوية والتعليمية". وكأن معالي الوزير نفسه غير مطلع على محتوى الميثاق؛ ذلك أن الميثاق بوصفه مأخوذًا من مصدر منشور قبل ثلاث وعشرين سنة لم يتضمن أي إشارة إلى معطيات العصر ولا أبعاد التقنية ولا منجزات التعليم الإلكتروني!

ولكي يتضح لك عزيزي القارئ ما يمكن تسميته بجهد هذه الوزارة "الكثير" الذي اقتضى أن "تعكف" اللجان وراء اللجان على إنجاز الميثاق- سأضرب بعض الأمثلة للإضافة التي يمكن نسبتها للوزارة الموقرة.

تتمثل الإضافة في هذا الميثاق في ثلاثة مواضع؛ أولها: كتابة مقدمة قصيرة، وثانيها: تسمية فقرات الميثاق بالمواد بدلا من البنود التي كانت عليها. والإضافة الثالثة تتمثل في وضع مادة للتعريف بمصطلحات الميثاق. وبالنسبة للمقدمة فهي عبارة عن سبع فقرات تبدو فيها الفقرات متنافرة بدون رابط منطقي، علاوة على خطأ التفقير لأن الذي قسّم الفقرات تجاهل أن كل فقرة ينبغي أن تستقل بفكرة وليس التقسيم مجرد زينة. كما يلاحظ الخطأ في استخدام علامات الترقيم التي توضع هنا وهناك بشكل عشوائي لدرجة أن كل فقرة هي عبارة عن جملة طويلة مهلهلة مكونة من خمسة أو ستة أسطر. إضافة إلى الأخطاء الإملائية والأسلوبية التي تزخر بها الصفحتان. أما مضمون المقدمة فهو كلام إنشائي لا يحوي فكرة عمليّة ولا تسلسلا منطقيًا للأفكار المراد تقديمها؛ ويمكن اختصار كل ذلك التكرار في فقرة واحدة.

أما ما يتعلق بالتعريف بالمصطلحات الذي عرّف بثلاثة معطيات هي: المعلم والطالب والأخلاقيات. فيلاحظ أن هناك جرأة في تسمية المعلم والطالب بالمصطلحات وخاصة إذا نظرنا إلى تعريفهما، فيقول تعريف كلمة طالب بأنه "الطالب والطالبة في مدارس التعليم العام وما في مستواها". والحقيقة أن هذا ليس تعريفًا بل هو مجرد وصف تذكر فيه المرادفات. ومع هذا فإن الميثاق لم يلتزم بهذا التوصيف، إذ تتكرر كلمة طالبة بجوار كلمة طالب في الميثاق وكلمة معلمة بجوار كلمة معلم! كما يلاحظ إغفال التعريف بكلمة "ميثاق" أوكلمة "مهنة" أوكلمة "مادة" مقابل "بند"؛ وهي من الكلمات التي يفترض أن تحظى بالتعريف.

أما ما سوى ذلك من جهد فقد يكون منقولا نقلا حرفيًا "حذو القذة بالقذّة"، أو أنه نقل أجري عليه بعض التعديلات اليسيرة بتغيير كلمة محل أخرى أو بحذف جملة أو أكثر. ويمكن الإشارة السريعة لنماذج من ذلك فيما يلي:

- ورد في المادة الثالثة (ص8) ثلاث نقاط هي النقاط نفسها الموجودة في الكتاب المنقول منه. وقد حذفت الجملة الثانية في النقطة الثانية وغيرت جملة "التعليم مهنة" إلى "التعليم رسالة" في الفقرة الأولى، وحذفت عبارة "ذات قداسة خاصة".

- يلاحظ أن النقطة الأولى من المادة الخامسة (ص10) مأخوذة حرفيًا من البند رابعًا مع إضافة "والمعلمة وطالباتها" بعد جملة "العلاقة بين المعلم وطلابه" وحذف جملة "صورة من علاقة الأب بأبنائه".

- النقطة الثانية (ص10) منقولة حرفيًا من البند خامسًا مع حذف كلمة "يبثها".

- النقطة الثالثة (ص11) منقولة حرفيًا من البند سادسًا مع تغيير جملة "يدلّهم بكل الطرق على الخير" إلى "يدلّهم على طريق الخير" وحذف ماورد في آخر البند.

- تعديل النقطة الخامسة (ص11) من "المعلم يسوي بين طلابه" إلى "المعلم يعدل بين طلابه"!.

ومما تنبغي الإشارة إليه أنه يمكن للوزارة أن تفيد من أي مصدر شريطة أن تلتزم بالتوثيق العلمي كما تعلّم ذلك لطلابها ومنسوبيها. وقد حاولت أن أجد للوزارة عذرًا في إهمال الإشارة للكتاب الذي أخذت منه أغلب المواد كأن يُذكر المصدر في المقدمة أو يحال إليه بين هلالين في المتن. لكن المتّبع في هذا الميثاق هو توثيق بعض المعلومات الواردة كذكر أرقام الآيات القرآنية الكريمة وسورها؛ أما المعلومات التي توهّمنا أنها من إنتاج لجان الوزارة وجهدها الكبير -كما يصفه الوزير- فإن أغلبها منقول من ذلك الكتاب مع إجراء تعديل يسير لا يكاد يذكر ربما للإيهام بأنها من "منجزات" هذه الوزارة!

ومما يحزّ في النفس أن يرافق هذا العمل غير المتقن ادّعاء بأن هذا الميثاق يلبي حاجة الوطن ويراعي ظروفه وتطوّره، فقد ورد في كلمة معالي الوزير قوله: "إن هذا الميثاق هو امتداد للنسق الثقافي والمعرفي الذي يعيشه المواطن في هذه البلاد". لكن الواقع يبيّن أن النسق الثقافي الذي نعيشه اليوم يختلف عما كان الأمر عليه قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عامًا؛ أي قبل أن يكون للكمبيوتر أو للانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، فضلا عن وسائل التعليم التقني المتطوّر أي حضور في تعليمنا وفي ثقافتنا.

جدير بالذكر أن هناك أخلاقيات يمكن وصفها بأنها ثابتة نسبيًا من حيث الماهيّة وهي ما يرتبط بالقيم كالأمانة وحب العمل والصدق؛ لكن ثمة أخلاقيات أخرى مرتبطة بمهنة التعليم -بما في ذلك طرائق التدريس ووسائل التعلم الفعّال- تغيرت خلال العشرين سنة الماضية. بل إن القيم الأخلاقية التي تحكم علاقة الطالب بالمعلم وبالمدرسة وبالمجتمع طرأ عليها التغير بفعل الوسائل التقنية الحديثة التي دخلت حياتنا وصارت جزءًا من منظومتنا الثقافية. ومن هنا كان حري بالوزارة وبلجانها أن تكون أقرب إلى الواقع وأن تعمل بجدّ لإنتاج ميثاق وطني مُشرّف بدلا من اللجوء إلى أخذ جهود الآخرين بطريقة تتنافى مع "أخلاقيات" التعليم والسلوك.

ومما يمكن التنبيه عليه أن هذا العمل منسوب إلى وزارة التربية والتعليم وليس إلى اسم معين، وقد كان معالي الوزير هو المعني بالإعلان عن الميثاق وبالحديث عنه والإشادة به واعتباره من "منجزات" وزارته. وعليه فقد كان المتوقع من معاليه أن يعرض الميثاق للتحكيم على جهات أكاديمية من خارج الوزارة قبل إقراره؛ وبذلك يرفع عن نفسه الحرج ويثبت أن العمل الإداري الناجح لا يتطلّب أن يُباشر المسؤول كل عمل بنفسه، ولكنه يقتضي حسن التخطيط والمتابعة الدقيقة.
http://www.alriyadh.com/2007/01/11/article215394.html