والحلقه رقم (3)
.
.
.
لم امد له يدي مصافحا" ..
ابدا" .. ابدا"
فما تلك اللحظة .. بلحظة التقاء الاكف ..
بل هي لحظات التقاء القلوب ..
شرّعتُ له .. ذراعيّ الاثنتين ..
وما كاد يراها وقد شـُرِّعتْ
الا وارتمى بينها بكل ما اوتي من قوة ..
والتفـّتْ يمينه لتلقي شماله .. حول كتفيّ
وكأنه غريق .. في بحر لجي .. وقد وجد ضالته .
شعرت بأزيز اضلعه ..
وسخونة انفاسه
وكأنما في حنجرته .. سدود وحشرجات !!
لم ينطق ببنت شفه ..
وما زال مقدار قوة احتضانه كما هي .. لم تخبو .. او تقل!
تركت له نفسي ..
ووضعت يمناي .. خلف رأسه المتعب !
واذا به يطبع قبلة .. على كتفي الايمن .. لم اشعر بأصدق منها .. من اخٍ لأخيه ..!!
رفعت رأسه ..
لأبصر وجهه ..
فاذا بأودية من الدموع .. قد تراكمت .
وسارت ..
وانسدلت ..
بتحنان بالغ ..
على خديه ..
ومن ثم ..
على ( لحية ) ..
لم ار بأجمل منها ..
قد نبتت على عارضيه ..
قال لي : وعبراته تتزافر ..
واضلعه تتنافر ..
انت ( اخي ) ..
ولست بـ ( صديقي ) ..
قبلت جبينه .. بقوة
وعانقته من جديد ..
كان الزمان .. ضحى التاسع من ذو الحجه ..الفائت
وهو اشرف يوم اشرقت فيه شمس ..
وكان المكان .. في مخيم دعوي .. على ارض عرفات الطاهره ..
وكان ( أخي ) .. يلتحف بردائين ابيضين ..
كأنصع مارأيت من بياض ..
اخذته بيده ..
فأنقاد طواعية ..
وفي الطريق الى خيمتي ..
كانت دموعه تذرف بصمت ..
واصابع يسراه .. تقبض على انامل يمناي .. بكل ما اوتي من قوه !
وكانني أسيرٌ بين يديه .. يخشى هروبي !
اللهم ما اكرمك .. وما احلمك .. وما اجودك ..
اهذا هو ( صديقي )
عدو ( اللحى ) اللدود
وقد اصبح ..
صديق ( اللحى ) الودود ..
(( اللهم ردنا اليك ردا جميلا ))
دخلنا الخيمه ..
وبعد ان اسندته الى صدرها ..
حيا الله ( صديقي ) .. قلتها له .
رمقني بنظرة عتاب .. وقال :
الم اقل بأنك ( اخي ) ..
اجبته :
بل انت من اغلى الاخوان .. ايها الحبيب !!
مرت لحظات صمت ..
وفي قلبي شوق عارم .. لمعرفة سر تحوله ..
من ذلك المقاتل الشرس .. الى الحمل الوديع .. !!
اردت ان اسأله .. انـّـى لك هذا !!؟
لدي الف سؤال وسؤال .. اريد نثرها بين يديه .
فأثرت الانتظار .. ريثما تهدأ نفسه وتستقر مشاعره ..
وما هي الا لحظات .. حتى عاد الى هدؤه
ونظر الي .. .. وبحنكته التي اعرفها فيه ..
قال ..: لديك اسئلة كثيرة .. اليس كذلك ؟
اومأت له برأسي .. كدليل موافقه .. !
سأجيبك .. عن كل شيء ..
فقط .. عندما نعود الى مدينتنا .. وبعد ان نكمل حجتنا .. !!
سأحدثك بأهم حدث عرفته في حياتي .. !!
وكيف احياني الله .. بعد موتي !!
وماذا قلت لأبنتي الصغيره ..؟
ومن ذاك الذي دعاني وانا نائم ؟
فقط كن بالقرب .. وعلمّني ..
كيف احب الله ورسوله .. ؟؟
بقينا في ضيافة الرحمن .. بقية ايام الحج ..
رأيت في اخي .. لهف وشوق .. الى محبة الله .. لم اره في احد قبله ..
كان دعائه .. مصحوب بدموع الندم .. وحسرات الضياع .. !
قبيل غروب شمس يوم عرفه .. انتحى جانبا" ..
وانا ارمقه بنظرات المشفق المحب ..
وقد ستر خديه وعينيه بكفيه ..
الله اعلم .. ماذا كان يقول !!
بعد انتهائنا من مناسك الحج بفضل الله ..
عدنا الى مدينتنا ..
لم نكن رفقه ..
فقد ارتبطت انا برفقاء غيره
وغادر هو وحيدا" تحقيقا" لرغبته .
بعد وصولنا الى مدينتنا بيومين ..
عنّ لي .. ان ابحث عنه ..
فقد كان أمره.. مسيطرا" على جل تفكيري
ولولا شيء من وعثاء السفر
لهرولت اليه منذ لحظة قدومي !
من الغد ..
هاتفته .. فتبين لي انه في شوق للقاء !!
اقترح هو الزمان والمكان الذي سنجتمع فيه ..
وعلى الموعد .. كنت .
شاهدته .. وكأنني لأول مره ابصره ..
سبحان الله ..
هنا شيء اود ان انقله لكم ..
(( من ادخل الله نور الايمان .. وعظمة الخشية .. الى قلبه .. ستجد فيه اختلافا" كثيرا .. محبة الناس له تتغير .. و وضاءة وجهه تتبدل .. وسلوكه يأسرك .. ))
نعود ..
قرات في عينيه .. مالم اقرأه في سير العائدين والتائبين ..
الرجل الذي القاه الان .. لايمكن بأي حال من الاحوال
ان يكون هو ذات الرجل الذي كان ( صديقي ) يوما ما
في سلامه سلام .. وفي كلامه وقار .. وفي هدؤه رزانه ..
لم اعهدها فيه من قبل ..
حتى ابتسامته التي كانت جميله .. اضحت اجمل مما سبق !!
بعد مقدمات وسؤال عن الاحوال ..
بادرته ..
من قمة رأسي الى اخمص قدمي .. كلي اذان صاغيه ..!!
فهل لك ان تسترسل ..!!
ما ان تلقف هذه العبارة مني ..
حتى انشرحت اساريره .. وكأنه يريد ان يـُخرِج اثقالا جاثمة بين اضلعه !!
قال :
لعلك تعرفني اكثر من نفسي ..
في مامضى !!
كنت اظن الحياة .. مجرد لهو وعبث ..
نصحو لننام .. وننام لنصحو
ومابين الصحوة والنوم ..
يجب ان نستغل كل ( لحيظة ) للملذات فقط ..
كانت فلسفتي في الحياه ..
استغل كل ساعات يومك .. لتسعد قلبك !!
وكنت افعل .. ما اظنه سعاده !!
سفر ..
سهر ..
لقاءات عابره ..
حريه ..
انطلاق دون ضوابط ..
انعتاق من قيود ..
لايشيء يردعني من هوى .. طالما ان نفسي تشتهيه
اثقل ماكان يؤرقني ..
اولئك الذين كنت اراهم ( متزمتون )
كنت اسخر من كل واحد فيهم .. حين رؤيته
لحية .. ومسواك .. وازار لايصل الى الكعبين !!
ايُ شعارٍ يتمنطقه هؤلاء !! ؟
كنت اقول في قرارة نفسي حين رؤية أي منهم ..
ايعقل ان يعيش مثل هؤلاء البشر .. في قرننا هذا
نحن في زمان ناسا و الانترنت و البلوتوث و صغر حجم الكون
وسرعة الانتقال من شرق الكره الى غربها !!
واولئك .. لاهم لهم الا ..
اطالة شعيرات في الوجه وبترجزء من سنتيمترات من قماش ..
(( استغفر الله العظيم )) ..
نطق بها .. وفي حنجرته غصه قرأتها بين احرف كلماته .
اخرج من صدره بضع زفرات ..
كنت احسبها .. حرّى
لم ادع عيناه .. تفلت من رقابتي
بل كنت انظر اليه بتركيز
واشعر انه من المتوجب علي ان استحثه .. من اجل اخراج كل كوامنه ..
لم انبس ببنت شفه ..
توقف هو لبرهه .. وكأنه سيتخذ قرار ما ..
ثم واصل حديثه ..
تزوجت .. بتلك الفتاه التي رصدتها معي ذات يوم ..
عشت بها ومعها ..
وعلى الرغم من مضي فترة ليست بالقصيره .. على خطبتي اياها
الا اننا اكتشفنا .. بعد زواجنا
ان كل منا لم يستكشف الاخر بعد ..
واتضح لي لاحقا" .. ان كل ذلك .. مجرد ( حكايات افلام )) ..
لااعلم من منا .. كان الجاني على الاخر .. انا ام هي !؟
مضت اشهر على زواجنا .. ولم نستطع الاستمرار !!
فالحرية والسعادة التي كنت انشدها ..
تبخرت بمجرد انتهاء الماذون من كتابة ( العقد ) !!
اتفقنا على الانفصال بموده .. دون ان نرزق بابناء
عادت هي الى اهلها
وعدت انا الى غيي ..
بعد حوالي عام ..
اصرت والدتي على تزويجي ..
اصبح الامر لدي سيان ..
لم اتردد .. وافقتها دون ممانعه او تردد
خطبت لي ابنة احدى الاسر العادية .. في محافظتنا
لم تكن بتلك الاسرة المتحرره ولا بالمتزمته .
بين بين ..
تزوجت بامرأه لااعرفها ..
شعُرتُ بالتخلف والانهزاميه لهذا القرار
اهكذا خاتمتي !! ؟
دخلت بها .. دون انشراح !
في ليلتنا الاولى .. لم ترفع راسها امامي .. خفرا" وحياء"
وعهدي بمن عرفت من النساء ..
هنا وهناك ..
الصولة والجولة ..
فأعينهن تسابق عيناي !!
واياديهن تسابق يداي!!
وما ان دخلت عليها ..
وحدثتها حديث الغريب للغريب ...
حتى استأذنتي للحظات ..
فأذنت لها ..
توقعتها .. ستتجمل لزوجها
كفتاة في ليلة فرحها ..
واذا بها ..
تمد سجادتها .. وتتلتحف بدثارها
وتصلي ..
( مطوعه ) !!!!
هكذا همست بأزدراء
الله يسامح الوالده .. أهذا وقت صلاة ..!!
قلتها في نفسي ساخرا" !!
تركتها على سجيتها .
وما ان انتهت من صلاتها ..
حتى قالت لي :
هل اوترت !! ؟؟
لم اجبها ..
.
.
.
.
.
*وللقصة بقية