[align=justify]عجيبة هذه الصور ، أتنقل بينها بنظرتين ، الأولى نظرة متذكر أرى فيها لحظات عشتها في طفولتي عُكِست فصارت ألوانا جامدة تمثلنا ... ولا تُمَثِّل الأرواح التي كانت تغمر تلك الأجساد انتعاشا وشطارة وراحة بال ، ونظرة متفكر يخترق بفكره أعناق أيام ولت ، وسنوات طويت ، ويعيش أجواء هذه الصور ، ويقتبس شيئا من ذلك الشعور الذي كان يغمره طفلا ، وفقده شابًّا ؛ وسيفقد - إن لم يفنَ - شعور شبابه .. وهو كهل ، وشعور كهولته .. وهو شيخ كبير !

وا عجبا لأمر قوم يسرحون بأمانيهم يستجدون بخيالهم ( آلة الزمن ) وهي موجودة ! نعم .. موجودة ، ولتسأل نفسك : ماذا يحصل لك حين ينتهي إلى مسمعك أو بصرك أو أنفك أو ذوقك أمرًا ، آخر إحساسك به في سنوات مضت ؟! ألا تحس بأنك قد تغلغلت نحو لحظة في الماضي ، وتلك اللحظة قد تخطت أعناق السنين ، فارتبطت بها ، تمدها من نفسك ، وتمدك من أجوائها ، تضمها إلى روحك ، وتضمك إلى بردها وظلها ، فتحتويك .. وبالذكريات تغذيك ، وتفيض عليك مما تحب ؛ وتفيض عليها من دمع عينك ، تغمرك بالجميل المفقود ، وتغمرها بالشكوى وألم الفقد ومر الشوق .

نعم ... في كل ذكرى عَبْرة لمفقود ، وحمد لله - سبحانه وتعالى - على موجود كان غائبا . لكن عبرة في عيني ، وغصة في حلقي ، وألم في وجداني تتألم لأجمل المفقود وأحلاه ، تلك الروح التي كنا نحملها في الصغر ، غذاؤها الآمال ، وبهجتها في البراءة التي تحملها ، والانتعاش الذي كان يغمرها ، والصفاء الذي كان لباسها ... تلك سنوات لا تنسى ، ولحظات رسخت في فكرنا وذكرنا ...

ومابين تذكر وتفكر يردد اللسان : سبحان الباقي !

[align=center]" يوم ان كنا صغارا **** كان في القلب أمل
كنـا نـلـهو لانبـالي **** أينـما كـان الـزلـل
كانت الارض نشيـدا **** فيها ألحان الصبـا
تسكب الألحان شعرا **** عبـقريــا لايـــمــل "[/align]
[/align]