



-
عضو فعّـال
استمرت في توجيه عبارات التوبيخ والتوعد بتصعيد الموضوع .. والتهديد بمقاضاتهما . صوتها المرتفع ، جعل بعض الأطباء والعاملين ، يتوجه لمصدر الصوت ، لتقصّي الأمر . حرج الطبيب ومساعده ، ازداد مع تكاثر الأشخاص ، الذين دفعهم الفضول للقدوم ، لمعرفة ما يجري . كانت تتكلم عن " خسة ونذالة .. وخيانة للأمانة وشـــرف المهنة " ، دون أن يدري الموجـــــودون ، ما الذي حـــدث بالضبط . بعض الحضور ، ظن أنها قد تعرضت للتحرش .. إلى أن قالت :
- لقد مسكت سعـــــادة الدكتور بسام ومساعده متلبسين ، بجريمة كشف عورة مريضة . إن الأمر لا يقف عند الاعتداء على شرف الناس ، وهذه بحد ذاتها جريمة ، بل كذلك .. خيانة للعهد والميثاق وشرف المهنة .
رد الدكتور :
- أنتم تعرفون الأخت .. مريضة بالوسواس ..
- المريض يا دكتور ، هو الذي لم يردعه دين ، ولا سن ، ولا شرف مهنة ، عن كشف عورات المرضى النائمين .
- ما قلت لكم ..؟ الأخت مهووسة بشيء يتداوله المتطرفون في الانترنت ، اسمه العورات النائمة .. وهناك من يحرضها من متطرفي وإرهابيي الانترنت .
ثم أراد أن يحول الأمر إلى سخرية منها ، وتكريساً لاتهامه لها بالوسواس ، وصلتها بمن يسميهم متطرفي الانترنت .. فقال :
- الأخت تحب القيادة والزعامة والأضواء .. ما يكفيها أنها اشتهرت في الكلية باسم ( الملا عمر ) ، بسبب سلوكها المتطرف ، البعيد عن المهنية . لذلك .. أقترح .. لإرضاء هوسها ، نسميها زعيمة ( حزب العورات النائمة ) .
ثم اصطنع ابتسامة ، وصار يتلفت نحو الموجودين ، لينال تأييدهم ، ومشاركتهم السخرية منها .. لكنها ردت :
- الدفاع عن عورات المسلمين النائمة ، ضد لصوص الأعراض مثلك ، يا سعادة الدكتور .. شرف . من هو المسكون بفوبيا الجنس .. أيها التنويري ، من نوع تلك الشعارات الفارغة التي دائماً ترددها .. لتسويغ الانحراف ..؟ والله العظيم لن يمر الحادث بسهولة ، وإن لم تتخذ الكلية إجراءاً .. إني لأصعد الأمر لوسائل الإعلام .
لم يتخذ إجــراء من أي نوع ، ولم تجرِ حتى مساءلة .. وحرصت عمادة الكلية ، وإدارة المستشفى ، على احتواء الموضوع ، والتكتم عليه .. حفاظاً على سمعة الكلية والمستشفى . كـــــــــثير من حقوق الناس تهدر ، لتبدو صـــــــورة المؤسسات الرســـــمية ( كاملة ) . يموت الناس ، أو يتعرضون للأذى .. بسبب إهمال الأطباء ، أو تعدي الأفراد ، على الموقوفين في المراكز الأمنية .. ولا يحاسب أحد ، لأن هذا يضر بسمعة الوزارة المعنية ، التي ترخص أمام ( نزاهتها ) المزعومة ، أرواح المواطنين . تساق قضية ( الخصوصية ) دائماً ، لتبرير عدم مساءلة أي مسؤول ، أو محاكمته علناً على تقصيره . أطرف تعليق على هذا الوضع الشاذ ، ما سمعته مرّة من إحدى صديقاتها : " في العالم .. غيرنا ، حين يعيث المسؤول فساداً ، في حياة الناس وأموالهم .. يستقيل أو يحاكم ، أما عندنا .. فلا هذا ولا ذاك ، لأن لنا ، كما يقولون ( خصوصيتنا ) ، وقاعدتها الذهبية : " صورة الحكومة أولاً ، وسمعة المسؤول ثانياً .. وليذهب المواطن إلى الجحيم " . عائشة .. على أساس من قناعات وتجارب سابقة ، كانت تتوقع موقفاً مثل هذا ، لكنها .. نجحت في تسريب الموضوع إلى الصحافة .. إلى الأستاذ سعد ، كاتب عــــمود صحفي مشهور ، فدارت سجالات حول القضية ، تؤكد على وجوب حماية خصوصية المرضى ، واستحداث نــــظام للملابس ، داخل غرف العمليات .. يحميهم من العبث والتجاوزات .
الميدان الآخر للحدث ، كان أحاديث أفراد المجتمع ، ومنتديات الانترنت . ظل النقاش حاداً وساخناً ، لأكثر من شهر .. مما خلق رأياً عاماً ، يطالب بوضع قوانين تحمي المرضى ، وتعاقب من ينتهك حرماتهم . الحادثة نفسها وتداعياتها ، أشاعت حالاً من الحذر والخوف ، لدى أفراد يقعون في انتهاكات لخصوصيات المرضى ، أو تقصير في حقهم . هناك حديث مرتفع ، عن تحرشات يقوم بها بعض العاملين الذكور في المستشفيات . يتردد أن هناك عبثاً واستغلالاً جنسياً ، لبعض المريضات ، من قبل أشخاص ، يعملون في قطاعات فنية مساندة في المستشفيات ، يزعمون أنهم يتلقون توجيهات من أطباء ، مستغلين جهل المرضى وذويهم .
بعد الفضيحة .. التي صارت حديث الناس ، صار هناك توجس . لا أحد يرغب أن يضع نفسه ، في موقف مثل الذي حصل للدكتور ومساعده . الأمر في بعض مراحله ، كاد أن يكون أكثر خطورة ، لولا تدخل بعض الأشخاص ، من داخل الكلية .. لدى عائشة . كانت قد هددت ، إن لم يتخذ إجراء وعقوبات رادعة ، بأنها ستبلغ أولياء المريضة ، بالفعل الذي ارتكبه الدكتور ومساعده .
صدمة عائشة ، لم تكن من الفعل فقط .. على بشاعته . بل من الطبيب نفسه . يقدم الدكتور بسام نفسه ، ويعرّفه زملاؤه ، على أنه ليبرالي تنويري ، يناصر حرية المرأة ، وحقها في العمل ، ويدافع عن الحريات عموماً . كثيراً ما وصف الدعوات التي توجه إلى عمادة الكلية ، أو لوزارة الصحة ، بتنظيم عمل المرأة في القطاع الصحي .. بما يوائم عادات المجتمع وتقاليده ، والحد من الاختلاط .. غير المبرر ، بين الجنسين ، بأنها ( فوبيا ) جنسية ، يروّج لها ( المتزمتون ) ، المسكونون بميكانزم غريزي ، يجعلهم ينظرون للمرأة ، على أنها هدف جنسي متحرك . جاءت الحادثة ، ليس فقط ، بمثابة الفضيحة للدكتور بسام ، ولتسقط صورة المثقف ، التي صنعها لنفسه . بل كذلك .. لتكشف حــــقيقة موقفه من المرأة ، و( الأجندة ) التي يقوم بتسويقها ، حول حقوق المرأة . كما أن وقوف بعض زملاء الدكتور إلى جانبه ، ومساندتهم له .. على فداحة الفعل الذي ارتكبه ، جعلها تقطع أن دعاوى الحرية والليبرالية ، التي يدعيها بعض الأشخاص ، ليست إلا شعاراً فارغاً ، لسلوك شهواني . أمْرٌ كانت تدركه ، وتعرفه حق المعرفة ، لكنها كثيراً ما تدخل في جدالات ونقاشات ، حول حقيقته ، وإمكانية إثباته . قالت للدكتور نايف ، وهو زميل للدكتور بسام ، تبنى حـــملة للدفاع عنه :
- أفهم أن تنادوا بحق امرأة أن تتبرج ، لكن كيف تدافع عن زميلك الذي يعرّي امرأة نائمة ، معتدياً على أهم حقوقها .. خصوصية جسدها ..؟ هل تريد أن تقنعني أن المريضة النائمة ، كانت في حالة ( سلوك ظلامي ) ، وأن زميلك الدكتور بسام ، كان يمارس ( فعلاً تنويرياً ) ويعبر عن سلوك ليبرالي ..؟!
الحدث صار حديث مجتمع الجامعة ، وربما انتقل خارجها ، لكن عين عائشة وقلبها ، كانا في مكان آخر . ماذا كتب في الانترنت عن الموضوع .. وما الذي كتبه شهاب الإسلام تحديداً ..؟ شقيقها أحمد ظل يزودها بكل ما دار في الانترنت حول الحادثة وتداعياتها . مكثت هي أسابيع ، تتابع الإنترنت بنفسها ، وَتَطّلع على ما يحضره أحمد لها . لم تجد شيئاً لشهاب الإسلام . نفد صبرها ، فسألت عنه أحمد ، الذي كان يتوقع سؤالاً مثل هذا .. قال :
- تابعت كل ما كتب .. لم أجد شيئاً لشهاب الإسلام ، ولم يرد على البريد الالكتروني ، الذي أرسلته إليه بهذا الخصوص .
أحمد كتم عن عائشة ، كلاماً سمعه عن شهاب الإسلام .. وهي ظلت تترقب . بعد أيام ، بعض زميلاتها اللائي يعرفن اهتمامها بما يكتب شهاب الإسلام ، سَرّبن لها كلاماً منسوباً إليه ، في أحد مواقع الانترنت .. مفاده : " موقفها جيد ، لكن ما الذي يجيز لها أن تبقى في غرفة العمليات ، مع رجال أجانب ، يتكشّفون عورات المسلمين ..؟ ! " . سكتت ولم تعلق ، وحاولت أن تستبعد صدور هذا الكلام منه . صار الموضوع هماً ، لم تطق الصبر عليه ، فصارحت أحمد بما نقل إليها . لم يشأ أن يؤكد لها الموضوع ، الذي تواتر عنده من أكثر من مصدر . خشي أن يسبب لها صدمة . قال :
- سمعتُ مثلك هذا الكلام .. لكني لست متأكداً من أنه فعْلاً قاله ..!
هزت رأسها ، وهي تنصرف لغرفتها .. وتغالب ، لتبدو تعابير وجهها طبيعية . لم يكن ردّه مقنعاً .. ولم تعلق . لكنها .. شعرت بجرس يُقْرع في قلبها . للحزن ، والرحيل ، والفقد .. طعم واحد ، وأصواتٌ متعددة . قَرَأَتْ مرّة .. أن الريح تعوي في الأطلال الخربة . حين ضمت ساعديها إلى صدرها ، وتلمست أضلاعها ، تحسست صوتاً ، كأنّ صخبه في أذنيها.. تساءلت : أهذا صوت عواء الريح في قلبي ..؟
على مشارف عامها السادس والعشرين .. تلتفت ، ثمة إنجازات كبيرة ، على أكثر من صعيد . الذين حولها يقولون : ما زلت صغيرة .. المستقبل أمامك ، لديك الكثير لتحقّقينه . اليوم .. حين أحست بذلك الدويّ في صدرها ، أدركت أن لا شيء في قلبها تحقق ، منذ أول خاطر ، تسلل عبره شهاب الإسلام إليه : أطلال .. وريـــح تعوي . نحن لا نقيس انــــــــجازاتنا .. فقط ، بما حققناه .. لندهش الآخرين ، فيصفقوا لنا . للقلوب مساحة من زمن ، تزهر فيها .. قــصيرة ، إن لم يأتِ ربيعها بــ( وسمي ) ، فليس إلا عطش الدهر .. وحزن الأبد . المستقبل بدا موحشاً وعدماً ، وحديث القلب : شُختِ .. ليس ثمة وقت لأحلام ..!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)