عبادة الملائكة
نظرة في طبيعة الملائكة :
الملائكة مطبوعون على طاعة الله ، ليس لديهم القدرة على العصيان : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم : 6 ] .
فتركهم للمعصية ، وفعلهم للطاعة جبلّة ، لا يكلفهم أدنى مجاهدة ؛ لأنه لا شهوة لهم .
ولعلّ هذا هو السبب الذي دعا فريقاً من العلماء إلى القول : إن الملائكة ليسوا بمكلفين ، وإنهم ليسوا بداخلين في الوعد والوعيد (1) .
ويمكن أن نقول : إن الملائكة ليسوا بمكلفين بالتكاليف نفسها التي كلف بها أبناء آدم . أما القول بعدم تكليفهم مطلقاً ، فهو قول مردود ، فهم مأمورون بالعبادة والطاعة : ( يخافون ربَّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) [ النحل : 50 ] . وفي الآية أنهم يخافون ربهم ، والخوف نوع من التكاليف الشرعية ، بل هو من أعلى أنواع العبودية ، كما قال فيهم : ( وهم من خشيته مشفقون ) [ الأنبياء : 28 ] .
مكانة الملائكة :
خير ما يوصف به الملائكة أنهم عباد الله ، ولكنهم عباد مكرمون ، وقد سبق أن أشرنا إلى أن دعوى المشركين في أنّ الملائكة – بنات الله – دعوى باطلة ، لا نصيب لها من الصحة ، وقد أكذب الله القائلين بهذا القول ، وبين حقيقة الملائكة ومكانتهم في أكثر من موضع ، قال تعالى : ( وقالوا اتَّخذ الرَّحمن ولداً سبحانه بل عبادٌ مُّكرمون – لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون – يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون – ومن يقل منهم إِنِّيإلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظَّالمين ) [ الأنبياء : 26-29 ] .
الملائكة عباد يتصفون بكل صفات العبودية ، قائمون بالخدمة ، منفذون للتعاليم ، وعلم الله بهم محيط ، لا يستطيعون أن يتجاوزوا الأوامر ، ولا أن يخالفوا التعليمات الملقاة إليهم ، خائفون وجلون . وعلى احتمال أن بعضهم تعدى طوره ، فإن الله يعذبه جزاء تمرده .
ومن تمام عبودية الملائكة أنهم لا يتقدمون بين يدي ربهم مقترحين ، ولا يعترضون على ما أمر من أوامره ، بل هم عاملون بأمره ، مسارعون مجيبون ( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [ الأنبياء : 27 ] ، وهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون به ، فالأمر يحركهم ، والأمر يوقفهم ، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس (2) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ( ألا تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ ) قال : فنزلت : ( وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربُّك نسيّاً ) [ مريم : 64 ] .