كيف كان يأتي الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم :
في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام – رضي الله عنه – سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدّه عليّ ، فَيُفصَم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً ، فيكلمني ، فأعي ما يقول ) (4) .
فجبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حالته الملكية ، وهذه شديدة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحالة الثانية كان جبريل ينتقل من حالته الملكية إلى البشرية ، وهذه أخف على الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلقه الله عليها مرتـين :
الأولى :بعد البعثة بثلاث سنوات ؛ ففي صحيح البخاري عن جابر ابن عبد الله : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما أنا أمشي ، إذ سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرعبت منه ، فرجعت ، فقلت : زملوني ) (5) .
والثانية : عندما عرج به إلى السماء :
وهاتان المرتان مذكورتان في سورة النجم في قوله تعالى : ( علَّمه شديد القوى – ذو مرةٍ فاستوى – وهو بالأفق الأعلى – ثمَّ دنا فتدلَّى – فكان قاب قوسين أو أدنى – فأوحى إلى عبده ما أوحى – ما كذب الفؤاد ما رأى – أَفَتُمَارُونَهُ على ما يرى – ولقد رآه نزلةً أخرى – عند سدرة المنتهى – عندها جنَّة المأوى – إذ يغشى السدرة ما يغشى – ما زَاغَ البصر وما طغى ) [ النجم : 5-17 ] .
لا تقتصر مهمة جبريل على تبليغ الوحي :
لم تقتصر مهمة جبريل على تبليغ الوحي من الله تعالى ، فقد كان يأتيه في كل عام في رمضان في كل ليلة من لياليه ، فيدارسه القرآن . والحديث أورده البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة في رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة " (6) .
إمامته للرسول :
وقد أمّ جبريلُ الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ كي يعلمه الصلاة كما يريدها الله تعالى ، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أي مسعود : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( نزل جبريل فأمني فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، يحسب بأصابعه خمس مرات ) (7) .
وفي السنن عن ابن عباس : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر ، حين زالت الشمس ، وكانت قدر الشراك ، وصلى بي العصر حين كان ظلّ الشيء مثله ، وصلى بي – يعن المغرب – حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم .
فلما كان الغد ، صلى بي الظهر حين كان ظل الشيء مثله ، وصلى بي العصر حين كان ظل الشيء مثليه ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل ، وصلى بي الفجر فأسفر . ثم التفت إليّ فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت ما بين هذين الوقتين ) (8) .