الدليل الخامس :تفضيل بني آدم عليهم بالعلم حين سألهم الله عزّ وجلّ عن علم الأسماء ، فلم يجيبوه ؛ بل اعترفوا أنهم لا يحسنونها ، فأنبأهم آدم بذلك ، وقد قال تعالى : ( قل هل يستوي الَّذين يعلمون والَّذين لا يعلمون ) [ الزمر : 9 ] .
الدليل السادس : ومما يدل على تفضيلهم أن طاعة البشر أشقّ ، والأشق أفضل ، فإن البشر مجبولـون على الشهوة ، والحرص ، والغضب ، والهوى ، وهي مفقودة في الملك .
الدليل السابع : أن السلف كانوا يحدثون الأحاديث المتضمنة فضل صالحي البشر على الملائكة ، وتروى على رؤوس الناس ، ولو كان هذا منكراً لأنكروه ، فدلّ على اعتقادهم ذلك .
الدليل الثامن :مباهاة الله بهم الملائكة : فالله يباهي بعباده الملائكة ، إذا أدوا ما أوجبه عليهم وأمرهم به . فإذا صلوا الفريضة باهى بهم الملائكة ، ففي المسند وابن ماجة عن عبد الله : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( ابشروا ، هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء ، يباهي بكم الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة ، وهم ينتظرون أخرى ) (6) .
وعن أبي هريرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً ) . إسناده صحيح ، رواه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم ، والبيهقي في السنن (7) .
والذين فضلوا الملائكة احتجوا بمثل حديث : ( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) .
واحتجوا بأن بني آدم فيهم النقص والقصور ، وتقع منهم الزلات والهفوات ، واحتجوا بمثل قوله تعالى : ( ولا أقول لكم إِنِّي ملك ) [ الأنعام : 50 ] . وهذا يدل على فضل الملائكة على البشر .
تحقيق القول في ذلك :
وتحقيق القول في ذلك ما ذكره ابن تيمية من أن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية ، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ، ونالوا الزلفى ، وسكنوا الدرجات العلا ، وحياهم الرحمن ، وخصهم بمزيد قربه ، وتجلى لهم ، يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم ، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم .
والملائكة أفضل باعتبار البداية ، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى ، منزهون عمّا يلابسه بنو آدم ، مستغرقون في عبادة الرب ، ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر .
قال ابن القيم : وبهذا التفصيل يتبين سرّ التفضيل ، وتتفق أدلة الفريقين ، ويصالح كل منهم على حقه (8) . والله أعلم بالصواب .

--------------------------------
(1)البداية والنهاية : 1/58 .
(2) شرح العقيدة الطحاوية : 339 .
(3) راجع تحقيق الألباني على شرح العقيدة الطحاوية ، ص : 342 .
(4) شرح العقيدة الطحاوية : 338 .
(5) لوامع الأنوار البهية : 2/398 .
(6) صحيح الجامع : 1/67 .
(7) صحيح الجامع : 2/141 .
(8) ومن أراد مزيداً من البحث في هذه المسألة فليرجع إلى ( مجموع الفتاوى ) : 11/350 ، وإلى ( لوامع الأنوار البهية : 2/368 ) ، وإلى ( شرح العقيدة الطحاوية : 338 ) . وقد طبع كتاب السيوطي ( الحبائك في أخبار الملائك ) . وفيه مبحث طويل في المفاضلة بين الملائكة وبني آدم من ص : 203 إلى ص : 251 .