أمّا الثروات الأخرى كالذهب فإن هناك شركات كورية تعمل لحساب أمريكا بدأت عملها في مناطق شاسعة من البلاد وخاصة في محافظة " بالا " .


وإزاء هذه التغيرات التي طرأت على السَّاحة التشادية ، استعجلت أمريكا في تنفيذ مخططها ـ إن صحّ هذا التعبير ـ خلافا لتوقعات الكنسية الكاثوليكية ، كما صرّحت بذلك ضمنيّاً الكنسية : " … لكن إذا استعجلت الحكومة الأمريكية في مشروعها ونجحت فيه فإننا نحصل على ما أنفقنا في المنطقة من عائدات البترول و أكثر ، والبروتستانت متفاهمون معنا في هذا الصدد، وقد ننجز أهدافنا قبل استخراج البترول ، وعندئذ تكون ثروة البلاد كلّها في خدمة ربّنا المسيح " ! ومع ذلك فإن الكنسية ضامنة لحصتها من الغنيمة التشادية ، وإن تجاوز الأمريكان اتفاقهم معها وذلك من خلال عائدات البترول والتي يخصص جزء منها لعمليات التنصير تحت شعار " الخدمات الإنسانية " .


وعلى إثر هذه المتغيرات أيضاً فقد تمّ تقسيم الأراضي التشادية بين الكنسيتين ، بحيث تغطي كل كنسية مناطق معينة في حملتها التنصيرية . وهذا ما جعل عدد المنظمات الكنسية ترتفع بشكل مفاجئ ، فمن جملة ( 160 ) وصل العدد عام 1422هـ إلى (260) منظمة كنسية من أهمّها: أوكسفام ( OXFAM) ، الإغاثة الكاثوليكية ( SECOUR CATHOLIQUE) ، ورد فيزيون ( WORD VISION) . وهذه ميزانيتها في عام 1422هـ كانت (40) مليون دولار أمريكي .وتقابل هذه المنظمات التنصيرية ثماني منظمات دولية إسلامية .


أما عدد المنصّرين فقد بلغ عام 1422هـ (6534) منصّر و(260) منهم يتقنون اللغات المحليّة ، و(15) منهم يتقنون اللغة العربية الفصحى ، و(7) منهم حفظة للقرآن الكريم ، و(3) علماء في علم الحديث وأصول الفقه ، و(30) منهم من أبناء المسلمين الذين تعلّموا في مدارسهم وتنصّروا . وعدد المؤسسات التعليمية النصرانية حتى هذا التاريخ بلغت (3577) مؤسسة تعليمية ومهنية .


وأقلّ راتب تَفرُّغ لكلّ واحد من هؤلاء (1000) دولار ، وللدُّعاة العاديين دون هذه الدرجة من (400-600) دولار ، ومزودين بوسائل المواصلات الحديثة من طائرات خفيفة وطائرات شحن ،وسيارات وقوارب ودرجات نارية عادية أو صحراوية .(3)


يُضاف إلى هذه الغارة النصرانية سعي أمريكا الحثيث لنشر الثقافة الأمريكية والعلمانية وسط المسلمين ، لتشكّل تحدّياً آخر أمام حركة الإسلام والمسلمين في تشاد ، ومحاولة وضعها قوانين ولوائح تضمن لها البقاء في تشاد وفرض هيمنتها الصليبية البروتستنتية .


ومن تلك المحاولات الداعية إلى العلمانية محاولتها طرح قانون تنظيم الأسرة ( الأحوال الشخصية للمسلمين ) ، ومن أخطر بنود هذا القانون الحريّة الجنسية التي يدّعونها ويسمّونها بغير اسمها وهي تحرير المرأة !


وقد وقف الشارع التشادي كلّه متصدّياً لهذا القانون ، ولكن هل ستتنازل أمريكا عن هذا المشروع ؟! الأيام والسِّنون القادمة حبلى بالكثير !


ومع ضخامة هذه الغارة التنصيرية وإمكانياتها الكبيرة ، واستغلال البترول التشادي ، فإن كثيراً من مخططاتها قد فشلت . ولكن مع هذا لا يزال أمام التشاديين تحدّيات عدّة ، فأمريكا وفرنسا لن تتنازلا عن دفع حركة التنصير إلى الإمام في الأراضي التشادية ، وكذلك فرض الحياة الغربية العلمانية المتفلّتة ، وإخراج المرأة التشادية من عفّتها ، كما هي الحال في كثير من دول العالم الإسلامي . فإن كان هذا القانون قد رفض الآن ، فإن للقوة الغربية وسائل أخرى وطرق تسعى لها : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) .


فلا بدّ من إعداد العدّة لمواجهة هذه الهجمة التنصيرية الشرسة وفق خطة مدروسة مع الإمكانيات المتواضعة ، سواء من قبل المنظمات والجمعيات المحلية أو المنظمات الإسلامية الدولية العاملة في تشاد ، والتي تقع على عاتقها العبء الأكبر للتصدّي لهذه الحملة .


-------------------


* باحث وكاتب تشادي .


(1) الدكتور حقار محمد أحمد : " التنصير في تشاد " ضمن تقرير أعدّه مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في تشاد .


(2)المصدر السابق .


(3) المصدر السابق .