



-
عضو متميز جدا
أليس من العجيب أن السرى بالليل، وأن المعراج ارتفاع إلى ما فوق الفوق، ثم يكون حال أتباع صاحب هذه المعجزة، أنهم لا يسرون ليلاً ولا نهارًا، في سبيل عقيدتهم ودعوتهم، كي يعودوا بها إلى سالف مجدها، يشمخون ولا يربؤون بهاماتهم ارتفاعًا عما هم عليه، ولا يحاولون التخلص من الوهدة التي تردوا فيها، وأن تكون كل حيلهم كلامًا وأحفالاً؟!.
إن الاحتفال بهذه الذكرى يدل مظهره على تعظيم شأن هذه المعجزة الباهرة، ولكن أيكتفي ربنا منا بالقول والمظهر؟ وهل نحن بمنجاة من التهديد الرباني الرهيب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ* إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ (الصف: من الآية2 إلى الآية4) أين العمل المصدق لما نقول؟ أين المهرب من مقت الله إذا ظللنا نقول ولا نعمل؟ أين هي وحدة الصف وترابط القوى، وتضافر الجهود؟ يجب أن نُغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا، إننا نُسيء إلى أنفسنا بهذه الأقوال والأحفال، أكثر مما نحس بها إليها، إذا كان حظ الدعوة الإسلامية منا كلامًا ولا شيء غير الكلام أين حالنا اليوم من يوم كانت السيادة كل السيادة لنا، والقوة كل القوة عندنا والعلم كل العلم من نبع مواردنا، يوم كنا نُحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، يوم نُعرَض ولا تخفى منا خافية، ليكن حفلنا هذا عهدًا بيننا وبين ربنا على بدء عهد جديد، تشعر فيه الدنيا بأسرها، وأن المسلمين قد أفاقوا من نومة لم ينمها قبلهم أحد.
أرى خليل الرماد وميض نار وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن النـار بالعودين تذكو ونار الحـرب أولها كـلام
أقول من التعجب ليت شعري أيقاظ أمية أم نيام؟!
نحتفل بهذه الذكرى ونحن- لا شك- على يقين من جلالها فليتبع هذا اليقين الاعتماد الراسخ بصدق من كرمة الله بهذه المعجزة، فيما جاءنا به، حتى تكون الحصيلة إخلاصًا في تنفيذ تعاليم هذه الدعوة كلها.. عبادات ومعاملات، لو تحقق هذا الإخلاص فينا لاستطعنا دون شك بفضل الله، أن ننجح في كل شيء، فهل نحن هناك؟ أسأل الله جلت قدرته، أن ينظر إلينا نظرة عطف تبدل كل شيء تبديلاً، وما ذلك على الله بعزيز.
إن مسؤوليتنا في هذه الأحفال غاية في الخطورة؛ لأننا نستقبلها في بهجة وإعزاز واعتزاز، حتى إذا ما انتهينا منها عدنا كما كنا (وكأنك يا أبا زيد ما غزيت)، ولخير لنا في مسؤوليتنا بين يدي الله ألا نحتفل بهذه الذكريات المجيدة، لأنها ستناقشنا يوم الحساب يوم الدينونة الكبرى، هل حققتم ما ظننتم به عزًا للدعوة، أم تركتموها حيث بدأتم معها؟
إن بيت المقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، والمسجد الذي عرج منه الرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يئن اليوم أنين الضارعين، ومن وطء أقدام أشد الناس عداوةً للمسلمين، يفعلون فيه ما يشاءون.. لا رحمة ولا شفقة ولا تحرج، ولا تأثيم ولا استحياء، ولا حسيب ولا رقيب، حتى من هيئة حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة أنا لا أقول: اقتلوا اليهود، فدين الرحمة يحرم التقتيل، ولا أقول: ألقوا بهم إلى البحر فدين السلام لا يرضى بإلقاء الناس إلى البحر، ولكنني أقول: انهضوا وأفيقوا وكونوا رجالاً، يتحقق لكم كل ما تريدون.
إن بيت المقدس هذا يختصم اليوم المسلمين جميعًا في سائر بقاع الأرض أن تركوه نهبًا للطامعين، لا يرقبون في أحد من أهله، ولا في بقعة من بقاعه ومقدساته، إلاً ولا ذمة.
إن بيت المقدس هذا يهيب اليوم بكل مسلم على وجه الأرض، يحتفل بذكرى الإسراء والمعراج، أو لا يحتفل، أن يجهد ناصبًا، وأن يأرق ليله ساهرًا، ونهاره عاملاً جاهدًا، أن يفكر وأن يستعد، وأن يعد لإنقاذه مما حل به من هوان وامتهان، حتى يعود حرًا كريمًا مقدسًا، وإلا فما أقسى الحساب يوم التغابن.
بدأ الإسراء من المسجد الحرام وانتهى في المسجد الأقصى، فلنبدأ باليقظة حتى نصل إلى تحقيق الآمال.. وقوف الداعية عند دعوته ولو كذبه الناس واستهانوا به هذا هو واجبنا الوحيد اليوم.
تسألونني، وأنا أسأل نفسي معكم: ماذا نفعل؟ وهذه هي قوى الأرض كلها تقف ضد المسلمين تحول بينهم وبين استنقاذ ثالث الحرمين، فأقول: "أما إن المسلمين مسؤولون جميعًا عن ضياعه، بسبب انصرافهم عن تعاليم دينهم فذنب من كبار الذنوب التي يؤاخذ عليها المسلمون، لأنه إثم وقعنا فيه جميعًا.
أما أن المسلمين لا يزالون حتى اليوم على ما كانوا عليه بالأمس، فجرم أكبر وأضخم.
أما أن المسلمين لا يؤرقهم، ولا يهزهم ضياع هذا الحرم من الأعماق، فهذا هو الواقع الأليم، حتى ولو لجأنا إلى المكابرة والإنكار، وإلا لما كانت هذه المساخر التي تموج بهذا البلد ليلاً ونهارًا.
أما أن المسلمين كل شأن المسجد الأقصى معهم اليوم، هو مصمصة الشفاه وهز الرؤوس أسى وتحسرًا، فهو وضع الذل خير منه بكثير.
كل ذلك كائن وسيكون، إذا بقي الحال على هذا الوضع الكريه، ولقد سبق في التاريخ المعروف لنا جميعًا، أن هذا الحرم قد انتزعه الصليبيون من بين أيدي المؤمنين، وبقي تحت سلطانهم عشرات السنين، إلى أن أجمع المسلمون أمرهم، ثم جاءوا صفًا فاستعادوه وبقي لهم مئات السنين، وهذه عبرة التاريخ لمن أراد عبرةً، وحرصًا على عز كريم.
ليبق المسجد الأقصى مع (الكيان الصهيوني) ما شاء الله أن يبقى، فهذا هو الأمر الواقع الذي نشهده اليوم، ونحياه، ومن السخرية أن ننكره أو ننساه، ولا حيله لنا فيه، لأن سياسة حُكم ما قبل عام 1971م هي أول الأسباب وآخرها في هذا الضياع.
أما الذي يجب علينا- إن كنا فعلاً على عزم في استرجاعه- فهو أن نغير ما نحن عليه من عبث واسترخاء، ليبدلنا الله به قوة إيمان وصدق يقين، فقوة المتصل بربه فوق قوى المدافع والصواريخ.
لتكن حياة المسلمين طيلة كل يوم، الذكريات الفاجعة لهذا الضياع حتى لا ينسوه في غمار ما تطالعنا به الصحف ويسمعنا إياه المذياع، وما يُشهدنا فحشه التليفزيون صباح مساء، وتعرضه علينا السينمات والمسارح، لنصرخ في آذان المسؤولين طوال اليوم، كفى وسائل الإعلام عبثًا وإسفافًا وانحدارًا، وتعويقًا عن غفلة أو عمد، لتذهب البرامج السخيفة الماجنة إلى مباءات القمامة والقاذورات، واطلعوا علينا بما يُنشئ أولادنا رجالاً كرامًا مسلمين، إن هذه البرامج تهدم وتحطم كل ما يقوله ويفعله الراغبون في إصلاح الحال.
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا ما كنت تبني وغيرك يهدم؟!
لنُقبل على الله حتى يمن علينا بالرجولة المؤمنة الطاهرة التي تفعل الأعاجيب، وليس هذا على الله بعزيز، إن الظالم القوي لظلمه وجبروته نهاية، وقد رأينا أن الله يداول الأيام بين الناس.. لنعدَّ ونستعد حتى إذا جاءت الفرصة، وجدتنا أيقاظًا متأهبين.
لا يشغل البال أن المسجد الأقصى قد خرج من بين أيدينا، فهذا هو واقعنا المرير، إنما الذي يشغل- ويجب أن يشغل- كيف نستعيد ما أفلت منا؟ بأي الوسائل؟ وعلى أية صورة؟ هذا هو الشغل الشاغل، والهم المقعد المقيم.
أما هذا الاستخذاء، المزري الشائن، أما هذا الموات المخزي المهين، فذا هو خزي الدنيا، وعار الحياة، وسوء المنقلب يوم الحساب، ليعاهدْ كل منا نفسه أنه سيذكر المسجد الأقصى نهاره وليله، وأنه سيربي أولاده على استنقاذه، وأنه سيحدث أهله وأصدقاءه في كل لقاء، ولو رموه بالجنون، هذا هو بدء الطريق، وكل من سار على الدرب وصل.
أيها الإخوة، هذه ذكرى من الذكريات كريمة، وآية من آيات الله عظيمة ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق:37)
أحم احم ... ملطووووووش من موقع الرجال اللي بالحاااااجه
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)