وتزامن مع صدور بيان مجمع البحوث الإسلامية بيان مماثل أصدرته الكتلة الإسلامية في مجلس الأمة الكويتي تحذر فيه الحكومة الكويتية من الرضوخ للابتزاز الأمريكي لتغيير المناهج الدراسية لاعتقادها أنها تشجع على الإرهاب والتطرف، وذلك في أعقاب تصريحات أطلقها وكيل وزارة التربية الكويتي (حمود السعدون)، والتي قال فيها: إن الحكومة تقوم بإعداد كتب مدرسية في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات والتربية الوطنية، وذلك لتدعيم قيم التسامح ومحاربة العنف والتطرف·
والحقيقة أن الجهود الدولية في اتجاه علمنة التعليم الديني في المنطقة العربية والإسلامية لا تتوقف عند حد الإدارة الأمريكية أو الكيان الصهيوني، وإنما هناك جهات دولية أخرى معنية بالملف، ومن بين تلك الجهات صندوق النقد والبنك الدوليان، اللذان يرهنان قروضهما ومساعداتهما لدول عربية وإسلامية بتغيير المناهج وإصلاح أو استبعاد بعض المقررات الدراسية. كذلك هناك آليات أخرى لتعزيز هذه الدعوات ومحاصرة النظم السياسية فيها، ولعل أبرزها مؤتمرات ما يسمى بـ"حوار الأديان" التي عادة ما توصي بتغيير المناهج في البلدان الإسلامية لإتاحة المجال أمام الحوار والتفاهم بين الأديان، كذلك مفاوضات ومباحثات الشراكة (الأورو- متوسطية) التي تلزم فيها أوروبا دول الحوض المتوسط -الإسلامية منها طبعًا- بتغيير المناهج مقابل المنح والشراكة ونحوها. أيضاً هناك الندوات والمؤتمرات الدولية التي تتخذ من "حوار الحضارات" شعارًا لها لإصلاح مناهج المؤسسات التعليمية الإسلامية، ومثالها الندوة التي نظمتها في بيروت (؟؟؟؟) مؤسسة "كونراد أدناير" الألمانية يومي 13 و 14-12-2002.
رضوخ..
الجدير بالذكر أن المحاولات العلنية الأمريكية المبذولة لعلمنة مناهج التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، وعلى الرغم من مرورها بدون كثير عناء من خلال جهات رسمية في العالم العربي تتقي بصمتها وتغافلها الغضب الأمريكي الهائج؛ إلا أنها أسفرت عن موجة من الغضب والاستنفار في أوساط المثقفين والدعاة وعلماء الدين الإسلامي لأسباب عديدة منها أن المحاولات الأمريكية لتبديل مناهج التعليم لا يمكن الفصل بينها وبين الحملة الشاملة التي قررت الولايات المتحدة شنها ضد كل ما يهدد إسرائيل أو ما يتحدث عن خصوصيات ثقافية وهوية عربية إسلامية متمايزة، فضلاً عن التصريحات الأمريكية العلنية تؤكد على أن الهدف من هذا العبث بمناهج التعليم هو تفريغ المجتمع الإسلامي من روح المقاومة، وتذويب مشاعر الولاء والبراء في ضمير الإنسان المسلم، وهو الأمر الذي يستدعي العبث بآيات القرآن ونصوص السنة النبوية المشرفة وما هو معلوم بالضرورة في دين الإسلام، وهذا تحديدًا ما أقلق النخبة الإسلامية وحرك مشاعر الرفض والغضب لديها تجاه المخططات الجديدة لتغيير مناهج التعليم.
وهناك ما يشبه الإجماع بين النخب الإسلامية المحتجّة على المخططات الجديدة على أن الحاجة موجودة بالفعل إلى تحريك فكر جديد في مناهجنا التعليمية ينهض بالأمة، ويتواكب مع تطورات حقيقية شهدها العالم على مدار العقود الأخيرة؛ إلا أن التوتر يأتي من التأكيد على أن ثمة فارقًا كبيرًا بين التطوير التعليمي الذي ينشأ من خلال احتياجات حقيقية ورؤية أصيلة ومستقلة وإرادة وطنية مستقلة، وبين تطوير مخطط خارجي ومطلوب تنفيذه بإرادة خارجية، ووفق تصورات وأولويات دول أخرى، لا تخدم بالضرورة الاحتياجات الحقيقية لأوطاننا وشعوبنا.
ويبقى ملف الصراع مفتوحًا الآن على كل الاحتمالات، ورغم ضخامة الضغوط السياسية والاقتصادية والنفسية التي تمارس دوليًّا على العالم الإسلامي لدفعه باتجاهات محددة في هذا الشأن، إلا أن ثمة مساحات واسعة من العمل والجهد ما زالت متاحة أمام المجتمع العربي لصد الموجة أو تفريغها من مضمونها على أقل تقدير؛ فهل تنجح الجهود الأهلية في جبر انكسار الجهود الرسمية؟. هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة.
__________________________________________________ ___
![]()
مواقع النشر (المفضلة)